المحكمة الأفريقية والقيود المعرقلة التي تواجهها في حماية حقوق الإنسان والشعوب في القارة 

201
African court
Picture of محمد معتصم عبدالعظيم

محمد معتصم عبدالعظيم

مستشار قانوني وباحث في مجال حقوق الإنسان

• المحكمة الأفريقية هي هيئة قضائية مستقلة، تتكون من أحد عشر قاضياً منتخبين بثقة شخصية وعلى أساس الكفاءة والمهارة العالية والخبرة القانونية والقضائية أو الأكاديمية المعترف بها في مجال حقوق الإنسان والشعوب- حيث تقوم الدول الأطراف في الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والتي انضمت إلى البروتوكول- بتقديم ثلاثة مرشحين من بينهم مرشحان يحملان جنسية الدول المرشحة لهم، وقد أعطى البروتوكول الحق للنساء ليكنّ ضمن تشكيلة المحكمة، لكن هذه المساواة في تركيبة المحكمة يصعب تحقيقها؛ وخصوصاً في مثل المجتمع الأفريقي الذي هو رهين العادات والتقاليد، ورهين الإرادة السياسية، ويتم انتخاب القضاة من قبل مؤتمر رؤساء الدول والحكومات الأفريقية عن طريق الاقتراع السري؛ حيث يراعي في انتخابه للمرشحين التوزيع الجغرافي، وتمثيل الأنظمة القانونية الكبرى، وأيضاً مسألة التمثيل المناسب للجنسين. وتكون مدة العضوية في المحكمة ست سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، وتكون عهدة القضاة الأربعة المنتخبين في الدورة الأولى لمدة سنتين، وتنتهي عهدة القضاة الأربعة الآخرين بعد أربع سنوات، أما بقية القضاة الثلاثة فتكون عهدتهم لمدة ست سنوات كاملة، ويمارس قضاة المحكمة مهامهم بصفة غير دائمة باستثناء رئيس المحكمة الذي يمارس مهامه بصفة دائمة؛ وهذا طبقاً لما ورد في المادة (15/4) من البروتوكول، وتحدد وظائفه ووظائف نائبه وفقاً للنظام الداخلي للمحكمة، وقد نصت المادة (17) من البروتوكول على إلزامية قضاة المحكمة بالحياد والشرف عند ممارسة مهاهم، وتكريس مبدأ الاستقلالية، إذ يمنع عليهم التدخل في أية قضية سبق لهم التدخل فيها بصفة موظفين أو مستشارين أو محامين لأحد الأطراف.

وبتحرير مشروع البروتوكول الملحق بالميثاق الأفريقي الخاص بإنشاء المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، ودخوله حيز النفاذ عام 2004م، تكون القارة الأفريقية قد اكتسبت جهازاً مضطلعاً بالدفاع عن حقوق الإنسان، يقوم بدعم إضافي لمقام اللجنة لتقوية آليات الميثاق الأفريقي، والوصول إلى حماية أكثر فعالية لحقوق الإنسان على الصعيد القاري، إذ بإنشاء هذه المحكمة، أصبح بالإمكان النظر في أكبر عدد ممكن من حالات الانتهاكات الواقعة على الساحة الأفريقية بأكثر فعالية وحكمة، وتقوية النظم الأفريقية، واحترام مبادئ الميثاق الأفريقي ونصرة الديمقراطية، والمساهمة في قيام دولة القانون. وكان الملحق قد حدد كيفية الرقابة التي تتبعها المحكمة لحماية حقوق الإنسان والشعوب، وبما أن المحكمة الأفريقية تسعى لحماية حقوق الإنسان والشعوب الأفريقية، فهي تعاني من بعض العوائق التي  تعرقل سيرها ونشاطاتها، فعلى الرغم من أن القارة الأفريقية تكثر فيها انتهاكات حقوق الإنسان، إلا أن المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب لم يضف إلى رصيدها أي نشاط يذكر في مجال حماية حقوق الإنسان والشعوب؛ بسبب السيطرة السياسية التي كانت ولا تزال تواجهها المحكمة من قبل الدول الأفريقية، من خلال فرص آرائها وسياساتها على حساب احترام حقوق الشعوب وحمايتها من الانتهاك، بالإضافة إلى الصلاحيات المفرطة المعطاة لمؤتمر رؤساء الدول والحكومات، وكذلك الضعف المادي الذي تعاني منه المحكمة من خلال افتقارها للموارد المالية وضعف مؤسساتها.

إن أي جهاز دولي أنشئ بموجب الاتفاقية، لا يمكنه مباشرة مهامه إلا بعد دخوله حيز التنفيذ، والتصديق عليه من قبل الدول المخاطبة به؛ وهذا ما يطبق على المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، التي تعتبر الذراع القضائي لرقابة حقوق الإنسان من الهلاك والضياع، إذ سعت إلى تنمية القيم والقضاء على الأنظمة الديكتاتورية، ووضع حدٍّ للانتهاكات الحاصلة في القارة، وقد التزمت المحكمة باتخاذ التدابير اللازمة لأداء مهامها بأكثر كفاءة وفعالية، من خلال كيفية تأصيلها نصوص البروتوكول الملحق بالميثاق المنشئ لها، وكيفية تنظيمها والاختصاصات الممنوحة لها، فقد قامت المحكمة بتحديد الإجراءات الواجب اتباعها والقيام بها من أجل تسهيل وصول القضايا إليها، والإسراع للفصل فيها بصورة موضوعية وقضائية، وذلك بسعيها لتقديم كافة المساعدات التي تمكنها من حل النزاعات نهائياً.

وتتمتع المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بنوعين من الاختصاصات؛ وهما اختصاص استشاري وقضائي، حيث إن الاختصاص الاستشاري يكون بناء على طلب من إحدى الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، أن تعطى آراء استشارية بشأن قضية أو مسألة قانونية، سواء كانت تتعلق بالميثاق الأفريقي أو أية وثيقة تتعلق بحقوق الإنسان، أو بأي صك أفريقي أو دولي. أما الاختصاص القضائي، فقد نصت عليه المادة (3) من البروتوكول، ويمتد اختصاص المحكمة إلى كافة القضايا والنزاعات التي تقدم إليها، ولها علاقة بتفسير أو تطبيق الميثاق الأفريقي والبروتوكول المنشئ، لها أو أية اتفاقية أخرى متعلقة بحقوق الإنسان.

وضع البروتوكول المنشئ للمحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب إجراءات خاصة، تبرز اهتمامه ورغبة الدول الأفريقية في احترام حقوق الإنسان؛ حيث وضع أحكاماً وقواعد تساعد المحكمة على تحقيق حماية حقيقية للحقوق المنتهكة للشعوب الأفريقية، فقد سعى البروتوكول إلى تقديم إجراءات خاصة وواضحة لتسهل عملية اللجوء إلى المحكمة الأفريقية، لرفع دعاوى ضد الانتهاكات التي تقوم في الدول الأفريقية، والمصادقة على البروتوكول، وبيان مصير المسألة المقدمة إليها بإصدارها الحكم المناسب وحسم القضية.

لقد حددت المادة (5) من البروتوكول الجهات التي يمكن لها اللجوء إلى المحكمة الأفريقية والقيام بإخطارها، وهي اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، والدول الأطراف في البروتوكول، أي الدولة التي رفعت ضدها الشكوى والدولة التي تقدمت بالشكوى للجنة الأفريقية، والدولة التي يكون أحد رعاياها ضحية لانتهاك حقوق الإنسان، وكذلك المنظمات الدولية الحكومية والأفريقية. وقد حددت المحكمة الأفريقية شروط العرض، وكيفية التنسيق بينها وبين المحكمة في نظامها الداخلي وهذا كأصل، أما الاستثناء فيظهر في إعطاء حق إخطار المحكمة الأفراد والمنظمات غير الحكومية بشرط أن تقبل الدول الأطراف في البروتوكول التي رفعت ضدها الشكوى اختصاص المحكمة للنظر فيها، فبعد إغلاق اللجنة التحقيق في الشكوى، تحرر تقريراً لمعاينة الوقائع، مع إرفاقه برأيها الخاص، وتحوله إلى اللجنة الوزارية، وفي غضون ثلاثة أشهر من تاريخ تحويل التقرير ولم يتم إخطار المحكمة، يفهم أن اللجنة قررت غلق التقرير نهائياً، أما في حالة إخطارها فتحاول المحكمة التوصل إلى تسوية ودية، وفي حالة الفشل في الوصول إلى تسوية، تنتقل المحكمة إلى الإجراءات القضائية، فتطلب المحكمة من اللجنة الأفريقية تقديم رأيها في الدعوى إذا كانت الدعوى فردية، أو تحيلها لها للفصل فيها، ويمكن رفع الدعوى مباشرة أمام المحكمة الأفريقية دون رفعها أمام اللجنة؛ حيث تكون الجلسات علنية وبحضور سبعة قضاة على الأقل، كما يمكن للأطراف الاستعانة بمن يمثلهم أمام المحكمة، ومن ثم تنظر المحكمة الأفريقية وتقبل الدعاوى المرفوعة أمامها، وتصدر حكمها خلال مدة لا تتعدى ثلاثة أشهر بعد إقفال جميع الإجراءات الكتابية والشفوية، ويتخذ القرار بموافقة أغلبية القضاة الحاضرين، مع إمكانية رفع الحكم بآرائهم الشخصية حتى وإن كانت مخالفة للقرار الصادر، ويكون القرار مسبباً ونهائياً غير قابل للاستئناف، إلا إذا كانت هنالك أدلة جديدة ومفاجئة مقدمة من قبل أحد الأطراف ولم تكن المحكمة على علم بها عند إصدارها القرار، بشرط أن تكون القوانين محددة في نظامها الداخلي؛ ففي هذه الحالة فقط تستطيع المحكمة مراجعة وترجمة الحكم الذي أصدرته، أو تقوم بتفسيره من تلقاء نفسها أو بطلب من أحد أطراف النزاع، وذلك في غضون 12 شهراً من تاريخ تسليم الحكم، ويعلن القرار في جلسة عامة، وترسل المحكمة نسخة منها إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي وإلى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، إذ على المحكمة الأفريقية أن تفكر في إيجاد وسائل وأساليب أخرى تلزم الدول المدانة بتنفيذ الأحكام التي تصدرها.

بالرغم من سعي المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، ومحاولتها لحماية حقوق الإنسان والشعوب الأفريقية بتكثيف وتعزيز وظائفها ونشاطاتها، وببناء جهاز ذي فعالية وجودة عالية يمكن له وضع حدٍّ للانتهاكات الفظيعة والواسعة الحاصلة في القارة السمراء، خصوصاً في الدول الديكتاتورية التي تسعى إلى رسم سبل نجاحها، وذلك بفرض سياستها المحدودة والمغلقة والمعرقلة لارتقاء حقوق الإنسان وازدهارها وتطورها، إلا أن هناك بعض النقائص والرواسب السياسية الصعبة التي تواجهها، بالإضافة إلى المشكلات التي تعاني منها المحكمة الأفريقية من خلال الضعف المادي الذي أثر كثيراً على فعاليتها في حماية حقوق الشعوب الأفريقية المنتهكة بسبب نقص التموين، وعدم وجود أجهزة فعالة ومستقلة تتابع الدول التي تتهرب من تطبيق قرارات المحكمة.

ورغم أن الميثاق الأفريقي قد أنشأ آليات تقوم على حماية حقوق الإنسان وترقيتها، إلا أنها ليست سوى مرآة عاكسة لنظرة الدول التي تهتم فقط بسيادتها، وتحرص على عدم التدخل في شؤونها الداخلية، فتمسُّك الدول بهذين المبدأين أدى إلى تشجيع الحكومات والأنظمة السياسية على التخلي عن تعهداتها، واعتمادها تأويلات ترضي مصالحها أكثر من اهتمامها بوضعية حقوق الإنسان والعمل على حمايتها، فبصيص الأمل الذي تأملته الشعوب الأفريقية، وتفاؤلها بمستقبل زاهر وراقٍ لحقوق الإنسان من خلال أجهزة الحماية التي أتي بها الميثاق الأفريقي، خصوصاً بعد دخول بروتوكول المحكمة حيز النفاذ، تبخر ولم يعد له وجود، بسبب الأوضاع التي تشهدها القارة الأفريقية من انتشار الفساد، وتزايد التجاوزات والجرائم التي ترتكب ضد الشعوب على أيدي الأمن والشرطة، فالمعاملة السيئة وغير الإنسانية تنتشر في (32) دولة، منها أوغندا وتنزانيا والسودان ومصر وليبيا وغيرها من الدول التي تمارس الديكتاتورية وترفض الاعتراف بحقوق الإنسان، ولذلك فإن حالة حقوق الإنسان قد ازدادت تدهوراً حتى بعد ظهور آليات الحماية التي أنشأها الميثاق الأفريقي، بسبب عدم وجود إرادة سياسية قوية وحقيقية تجعل احترام حقوق الإنسان والشعوب مبدأ أساسياً تتعامل به في قوانينها الداخلية والخارجية، فرغم  هذا الضعف الذي تعاني منه اللجنة والمحكمة الأفريقيتان، إلا أننا لا يمكننا أن ننكر أو نتجاهل مدى استفادة القارة الأفريقية وشعوبها من امتلاكها مثل هذه الأجهزة، التي استطاعت أن تقلل ولو بنسبة بسيطة من انتهاكات حقوق الإنسان،  وتمكنت من نشر فكرة أن حقوق الإنسان يجب أن تتمتع بالحماية في القارة الأفريقية، لكن الخلاصة هي أن اللجنة والمحكمة الأفريقيتين غير قادرتين على تغيير وتطوير وضعية حقوق الإنسان الأفريقي، وجعله يعيش في محيط مبني على الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، إلا إذا كانت هناك رغبة وإرادة حقيقة لإنجاح مهام هذه الآليات، بتكامل جهود الحكومات والأفراد والمنظمات.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *