
د. خالد مصطفى
كاتب صحفي
• (الكدو) كلمة محلية، وتعني الغبار الذي تثيره الأبقار عندما تسير في الطريق ذهاباً و وإياباً، وكلما زاد هذا الغبار دلَّ على أن أعداد الأبقار التي تسير كثيرة.
ترتبط مهنة تربية الأبقار بعوامل ثقافية واجتماعية كثيرة، منها كلما زاد عدد الأبقار التي يمتلكها الفرد ازداد رفعة ومكانة في المجتمع، لذلك يجتهد كل مربي الماشية في امتلاك أكبر عدد منها، ويكون الفرد منهم شديد الحرص على ذلك. ويقاس عدد الأبقار بطرق كثيرة، منها ب (الكدو)، أي الغبار الذي تثيره عندما تسير في الطريق.
يحكى أن أحد المعتمدين في جنوب كردفان جمع مربي الماشية وتحديداً مربي الأبقار، وأتى بمتخصصين في الإنتاج الحيواني، وأقام ورشة عن تربية الماشية وإنتاج اللحوم والألبان بصورة علمية، من أجل تطوير الإنتاج الحيواني في المنطقة، وتحدثوا لهم عن الأساليب الحديثة في تربية الأبقار والمزارع، وأن أعداداً قليلة من الأبقار المحسَّنة يمكنها أن تُحدث الفرق، وتضاهي الأعداد الكبيرة في إنتاج اللحوم والألبان. وضربوا لهم مثلاً بدولة هولندا وغيرها، وفي نهاية المحاضرة أو الورشة، طلبوا من الحاضرين التعليق على هذا الكلام، فما كان من الحضور إلا أن قالوا للمعتمد والمحاضرين (كلامكم سمح، إلا الكلام الكدو).
أي حديثكم كله جميل، ولكن من أين نأتي (بالكدو) أي الغبار الذي تثيره الأبقار عندما تسير في الطريق.
فالراعي أو صاحب الماشية يجد سعادة كبيرة في هذا (الكدو)، سعادة لا تضاهيها أي سعادة أخرى، فهو يحس بالفخر والرضا والاعتزاز عندما يرى هذا الغبار يعلو، دلالة على أنه يمتلك أعداداً كبيرة من الأبقار، حتى ولو كانت هذه الأبقار ليست ذات جدوى اقتصادية للدولة أو المجتمع، فعملية تغيير أبقاره هذه بأبقار قليلة العدد (لا تثير الغبار) – حتى ولو كانت ذات جدوى اقتصادية وفائدة بالنسبة له وللدولة والمجتمع- تبدو في غاية الصعوبة، لأن العملية هنا أصبحت عملية (ثقافية اجتماعية)، وليست (اقتصادية). فتربية الأبقار بهذه الطريقة تبدو أنها مظهر اجتماعي وسلوك ثقافي للمباهاة وتبوؤ مركز اجتماعي فقط.
عملية التغيير تبدو في غاية الصعوبة نسبة للأسباب المذكورة أعلاه، ولكن ليست مستحيلة، فالتغيير ممكن أن يتم ولو ببطء.
وإذا اضطرت الدولة يمكن أن تكون هي النموذج، فتقوم الدولة بعمل نموذج لمزارع الأبقار بصورة علمية حديثة تمتلكها الدولة نفسها، وتوفر فيها الخدمات البيطرية والتكنولوجيا، وتؤسس مزارع للعلف بصورة علمية وغيرها، مع تشجيع المواطنين لامتلاك مثل هذه المزارع، حتى ولو في شكل جمعيات تعاونية، وتسهيل عملية الاستثمار، وتوفير التمويل اللازم من البنوك الزراعية وبنوك الثروة الحيوانية، ورويداً رويداً يمكن أن نشهد عملية تغيير واعتماد الناس على الطرق العلمية الحديثة في الإنتاج الحيواني، مما يفيد الأفراد والمجتمع والدولة.
هذه العملية يمكنها أن توفر لحوماً وألباناً جيدة وصحية وبكميات كبيرة للمواطنين، كما يمكن ربط هذه المزارع بمسالخ حديثة، حتى يتم تصدير الفائض من اللحوم بعد الاكتفاء الذاتي إلى الخارج، وجلب العملات الصعبة.
كما يمكن أيضاً عمل مصانع للجبنة والزبادي والسمن وغيرها من مشتقات الألبان، لنكتفي منها ذاتياً على المستوى المحلي، ونصدر الفائض لجلب العملات الصعبة للاستفادة منها في عملية التطوير.
هذه أفكار عامة نطرحها، ويقيننا أن هناك متخصصين في الإنتاج الحيواني والزراعي يواصلون الليل بالنهار من أجل تطوير الإنتاج الزراعي والحيواني، ولديهم من الأفكار ما يمكن أن يطورنا ويقودنا إلى الأمام، فقط أردنا التنبيه لهذا الموضوع وللجوانب الاجتماعية والثقافية التي يمكن أن تعوق التطور، وكيفية معالجتها من وجهة نظر شخصية تحتمل النقد.. والسلام.
شارك المقال