الفلسفة الجمالية في النص الأدبي الحداثي.. قراءة في بعض قصائد الشاعرة كلتوم فضل الله
Admin 18 أكتوبر، 2025 155

إحسان الله عثمان
• اتفق الباحثون في تعريف الجماليات انها التّفكير النقدي في الثقافة والفن والطبيعة وان فلسفة الجمال هي التذوق الفني و وحدة العلاقات الشكلية التي تدركها حواسنا…
الفلسفة الجمالية في النصوص الأدبية يتعدد تفسيرها بتعدد المصادر ومناهج البحث.. تشمل الأفكار والمفاهيم والموضوعات التي تكمن وراء التعبير الفني والأسلوب وتظهر من خلال السياق العام للنص والرموز والإشارات المستخدمة.. وتوفير إطار لفهم النص في سياقه اللغوي الثقافي والاجتماعي والتاريخي…..
النص الأدبي الحداثي هو فن أدبي يتميز بالتجريب والانفصال عن الأساليب التقليدية في الشكل والتعبير ومن أبرز سماته السرد غير الخطي واستخدام تقنية «تدفق الوعي» لتمثيل التجارب الحياتية والمعرفية في الشعر والقصة والوعي بالمتغيرات المجتمعية والمستجدات، وحركية الابداع في لغة وصور جديدة ومختلفة تسعى إلى التساؤل والبحث وتجربة شاملة وموقف من الحیاة والعالم والإنسان..
تتجلى الفلسفة الجمالية في قصائد الشاعرة والروائية كلتوم فضل الله من خلال استخدام لغة حية وحسية لإنشاء صور ذهنية من حيث تأثيرها وجاذبيتها مستمدة من الدروب البعيدة.. حيث النشأة الاولى في « الليري»جنوب كردفان في سهول الجبال البنفسج وغابات اشجار الدوم .. ومناجم الذهب ورقصات الدرملي.. هناك تلتقي مجالات المعرفة الانسانية والقيم الفنية الجمالية وتظل حاضرة في السياق العام الشعري على مستوى الرمز وتماهيه نحو أزمنة متخيلة تفسر الحاضر وفق جدلية الحلم والذاكرة…
«أغزل دبيبك في الحواس ثوبًا
يغطي الأفق أغنيات
تسجد الضاحية
وينام جبل الكريس عميقًا بالصفو
يفترش حنينك الأول…
تتوج الزهور
فالخضرة تزداد اخضرارًا
وعرش الوجد يتمطى
في العمق البعيد من الكلمات..
كعصبة الرمز المزود باللقاح»
محتويات النصوص الشعرية للشاعرة والروائية كلتوم فضل الله والرسائل المركزية تنسج تفاصيل الذات دلالات من ثنايا الالم والتشظي وجراحات الايام و السفر المجازي في الحياة في تجربة تختزل المعاني و الكلمات..
«لا عدد سيحصي الأمنيات الذابلة
علي خطو الجياع
علي الذاهبين إلي الوطن
ما يقوله الصمت
ما يسجله فضح الخطي والتحاريش
ما أهملته المقولات القديمة،
ما دونته المدائح والقرائن
ما شوهته قرائن الأحوال
علي طبل الملوك..
ما شيدته المعرفة علي مدن الرحيل
والزمن المقطع من خلاف
سأعلنه مثل أرض بور تشققت
وساشرع في سلالم المجد
إلى أن يغترف الجمال
ملء كوبه في الوجود»
حين تتلون الكلمات يدهشنا و يوجعنا قصور فهمنا لمراميها البعيدة ومتواليات الاحاسيس والأقانيم المعرفية..ابحار جديد الى ضفاف اكثر رحابة تستفز الرؤى.. تتجاوز وترصد استعاراتها تفاصيل الهامش المسكون بخيبات المنافي والامل.. حيث يصبح مفهوم الهوية تجليا لدلالات تصوغها عوالم القصيدة ..
«كولومبيا
مصبات السلام
تجلس علي حافة التاريخ
وتنبت علي هواء الضفاف
والزهرات
في قعر البيوت
يا كعكنا المنقوش بالسكر
في الوجوه العابثات من الشعاع»
و تتجاوز الشاعرة و الروائية كلتوم فضل الله البنية الشعرية النمطية وتبدو بعض قصائدها اكثر حريّة في حركة المشاعر والأفكار والرسائل والتعبير عن الدفق المنطلق والعمق في التجربة الحياتية و البعد الرمزي لاحداثيات الانسان و الزمان و المكان.. مكرسة تجربتها في الكتابة الشعرية الابداعية ضمن صياغات المفارقة الفكرية الحداثية..
«العباءات السود
عفصت حلمات البنات
واحتجزت الحمى
ونفرت فخاخ الصورة
فالخليات لهيب
تدغدغ الاسود في انغماس
يعجن الفكرة
العباءات السود
خثرت الحليب»
الاستنتاج و التقويم..
تميزت الاعمال الشعرية لكلتوم فضل الله بجمالية وفلسفة اللغة والنصوص والتشابك والثراء وتوظيف المفردات كائنات تنمو زخما دلاليا …السياق الثقافي و الجمالي في بعديه المادي و الرمزي حيث الكثافة والعمق والمغايرة والتنوع والاتساع.. تتشكل الادوات باستدعاء الطبيعة نصوص تبعث الادهاش و توقظ ضمائر الجمال…
الاتجاه الفني والصور الشعرية واستثمار الصياغة اللفظية المتقنة ذات الدلالات والأبعاد النفسية-الشعورية والايقاع الداخلي للمفردات يشحذ القراءة و التأمل في الفلسفة الجمالية للنصوص الشعرية…..
«بأمشاط من رؤوس الخفاء
أسير بيني وشهيق الوردة
على وقع الشعر المدوي
كاستراحة طويلة
على وهج الحروف المتحجرة»
صدر للروائية والشاعرة كلتوم فضل الله رواية «الصدى الآخر للأماكن» عن دار توتيل للنشر ورواية «سيرة المحبة» سيرة ذاتية، وعدة روايات واعمال شعرية تناقش الصراع المجتمعي وتشكلاته االفكرية والثقافية..
شارك القراءة