الشاعر المصري أحمد سويلم: التفعيلة ليست امتداداً للقصيدة العربية وإنما رافد انفصل عنها 

55
حوار

حوار : محمد نجيب محمد علي


• يعتبر الشاعر المصري أحمد سويلم أحد الذين رسخوا لقصيدة التفعيلة فى مصر والعالم العربي ، وأصبحت له بصمة واضحة فى ديوان الشعر العربي المعاصر . وهو يتولى الآن رئاسة لجنة الشعر فى المجلس الأعلى للثقافة . وأحمد سويلم من مواليد1942 بمحافظة كفر الشيخ بمصر وقد حصل على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام 2016 وجوائز أخرى ورحلته مع الإبداع  والكتابة تجاوزت نصف قرن من الزمان أصدر خلالها العديد من المؤلفات فى شتى أنواع الإبداع فى الشعر والمسرحيات والدراسات الأدبية والنقدية . كانت جلستنا فى مقهى (الأحمدية ) بمدينة طنطا والتي تناولت العديد من المحاور .

• تجربة تجاوزت الخمسين عاما من الكتابة والشعر.. كيف تقرأها الآن.. وماذا جنيت منها؟

– هي تجربة حياة.. لأن الكتابة بالنسبة لي هي الحياة.. فأنا أضيف إلي عمري عمرا آخر حينما أصدر ديوانا جديدا أو دراسة جديدة..

وقد استطعت بحمد الله أن أستفيد من وقتي كله لإنجاز مشروعي الإبداعي ومازلت أضيف إليه.

واليوم حينما أنظر إلي ما قدمت أزهو في داخلي بهذا الإنجاز.. وفي الوقت نفسه أتمني أن يطيل الله في عمري وأضيف أكثر.

لقد أخلصت للشعرطوال عمري فلم أحد عن دائرته.. وكلما كنت أفكر أو أنحاز إلي فن آخر.. كنت أشعر بالغربة.. وسرعان ما أعود إلي دائرتي المفضلة.

وقد حاولت التجريب والتشكيل علي مستَوي القصيدة.. وكتبت المسرحية الشعرية.. والدراسات حول الشعر والتراث.. كما كتبت الشعر والمسرح الشعري للأطفال.

ويمكنني أن أقول بعد هذه الرحلة الطويلة إنني لم أقصر في حق نفسي ولا في حق إبداعي. ولا في حق قارئي.. وما تحقق لي في هذه الرحلة – وإن كان يراه البعض قليلا – إلا أنني راض عنه.. ففي تاريخي حصلت علي أرفع الجوائز.. وفي تاريخي آراء ودراسات لكبار النقاد.. وفي تاريخي المتلقي الذي ينتظر مني المزيد.. وهذا ما يرضيني.

• أنت أحد كبار شعراء العصر الذهبي.. ماذا تقول عن هذه التجربة وعن أبناء جيلك؟

– اتفق النقاد علي إطلاق : جيل الستينيات.. علي وعلي أبناء جيلي وهو الجيل الذي جاء مباشرة بعد جيل رواد الحداثة الشعرية.

وربما تميزت تجربتنا بالتنوع والثراء والتطور.. نتيجة معايشتنا للتحولات السياسية الاجتماعية والثقافية التي مرت علي المجتمع العربي منذ ثورة يوليو ١٩٥٢ حتي الآن…

لقد عشناها جميعا بكل مالها وما عليها.. واتخذ كل منامواقفه الصادقة أَمام هذه التحولات.. وانعكس ذلك في أعمالنا الإبداعية.

يمكن أن أقرر بارتياح شديد.. أننا جيل له تجربة متميزة.. استوعبت كل ماهو جديد في سياق إبداعي مختلف عن جيل الرواد.. وعن الأجيال التي جاءت بعدنا.

ومن يقرأ هذه التجربة بإمعان وتجرد.. يجد هذا التنافس الفني المحمود بين أبنائه بهدف رسم خريطة استثنائية ستظل ماثلة لأجيال كثبرة قادمة.

• يقولون إن الرَواية أصبحت ديَوان العرب وليس الشعر ؟

– هذا قول مجاف للحقيقة.. وليس معني سيادة فن من الفنون لظروف مختلفة أنه صار ديوان العرب.

لقد كانت الدراما التليفزيونية سائدة في وقت مضي أكثر من الشعر والرواية ولم يقل عنها إنها صارت ديوان العرب.

ولماذا نقصر هذا المصطلح علي فن واحد دون غيره في عصر تتصارع وتتلاقح فيه كل الفنون..

ربما كان هذا صحيحا في عصور الشعر الأولي لأنه كان الفن الوحيد السائد.. لكن.. مع تعقد الحياة.. وتعدد الفنون.. أضيفت إلي ساحة الإبداع فنون أخري زاحمت الشعر

مثل المقامات ثم المسرح ثم الدراما التلفزيونية ثم الرواية .. وهكذا صار ديوان العرب ديوانا يستوعب كل الفنون 

وليس معني ذلك أن الشعر فقد مكانته أو تأثيره.. فهو فن ينبع من الشعور الإنساني

ليصب فى الشعور الإنساني للمتلقي .. فهل يجوز أن يتخلى الإنسان عن مشاعره للمبدع ليصير بلا أحاسيس ويبتعد عن تذوق الجمال 

 • كانت التفعيلة امتدادا للقصيدة العربية.. بعض المحدثين ينظر إليها كشبح من الماضي.. ما قولكم ؟

– ليست التفعيلة امتدادا للقصيدة العربية ولكنها رافد انفصل عنها كما حدث مع الموشحات..

وقد حفرت التفعيلة لها مسارا خاصا يستوعب قوالب كثيرة مثل القصيدة.. والمسرحية القصة الشعرية .. وحتي الرو اية الشعرية.. وهي في الدراما تيسر الحكي.. كما أنها شكل يتيح للشاعر حرية في التعبير بلا سقف..

وأتعجب من هؤلاء الذين ينظرون إلي هذا الشكل ( كشبح من الَماضي) وهو الشكل الذي لم يعجز يوما لدي الشاعر المبدع عن الاستجابة لتجربته مهما كانت هذه التجربة.. وأظن أن الشاعر الذي يعجز عن الوصول إلي الإمكانات الفنية لهذا الشكل.. يمتلك قدرات فنية محدودة وقاصرة.

أنا شخصيا أسبح في بحر التفعيلة بلا شاطئ.. وهذه الحرية تمكنني من الإبداع بها للكبار والصغار دون ملل أو إحباط.

• قصيدة النثر.. هل احتكرت الحداثة.. وهل هي الَمحطة الأخيرة في التجريب؟

– سأبدأ من آخر سؤالك.. فأعتقد أن أصحاب قصيدة النثرَ مخطئون لو ظنوا أنها الَمحطة الأخيرة في التجريب.. فالتجريب في الحياة والفن بلا نهاية.. وهو سر التطور الإنساني.

أَما أنها احتكرت الحداثة فهذا أيضا من قبيل الرغبة في نفي الآخر.. ونفي أي حداثة قادمة.. وهذا لا يجوز في الفن.

إن الَمبدع حر في إبداعه – يخرجه كيف يشاء – شعرا أو نثرا.. أو مزيجا منهما ما دام هذا الابداع تعبيرا عن هواجسه وهمومه وأحلامه.

وأنا ليس لي موقف رافض لأي وسيلة تعبير. وإنما أتحفظ فقط علي مصطلح ( قصيدة النثر ) وهذا حقي .. ربما لأني أفضل أن ينسب العمل الابداعي إلي دائرته الصحيحة فنيا.. مع ذلك فهناك نماذج ممتازة جدا من هذا الشكل تدل علي طاقة شعرية فائقة.

• النقد الحداثي والتوطير أصبحا تابعين للمناهج الغربية.. أين أصبحت خصوصية القصيدة العربية؟

– حسنا أن ذكرت مصطلح ( الحداثي) لنعرف مدي الانحياز لبريق المناهج الغربية وتطبيقاتها المتعنتة علي القصيدة العربية خاصة التراثية منها.

ولو أَمعنت النظر قليلا.. لوجدت هؤلاء النقاد للأسف شبابا أو أجيالا لم تقرأ تراثها النقدي وتربت علي مناهج الغرب.

إنهم لم يقرأوا مثلا الجرجاني ونظراته النقدية العربية.. مما يمكن بها تأسيس نظرية نقدية عربية يمكنها أن تستوعب الحداثة استيعابا كبيرا.

نحن في حاجة إلي الاستفادة من هويتنا الابداعية والنقدية.. وعَل دراسات مقارنة مع المناهج الغربية.. وهذه في ظني مسئولية أقسام اللغة العربية في جامعاتنا.

• في السنوات الأخيرة اتجه عدد من الشعراء العرب إلى كتابة الرواية.. ما تعليقك على هذه الظاهرة.؟

– إن الجمع بين اللونين في منتهي الصعوبة والقلة النادرة هي التي تمتلك القدرة علي ذلك.

ولعلك توافقني على أن إبداع قصيدة يختلف جذريا عن إبداع رواية سردية.

فالقصيدة غالبا تحكي موقفا واحدا وتلجأ إلي الخيال والتكثيف وتقنية الموسيقي… وهذا لا يتوفر كله في الرَواية.

وقد لاحظت في السنوات الأخيرةهذا التحول من بعض الشعراء الذين أغواهم فن الرواية الذي لا يحتاج – في ظنهم – إلي هذه المعاناة التي يجدونها في القصيدة.. إلى جانب تلك الجوائز التي تمنح دائما للرواية ولا تمنح للشعر.

وفي اعتقادي – وقد يغضب البعض – أن الشاعر الذي عجز عن التحقق شعريا يسرع إلي مجال الرواية الذي بستوعب َمغامرات لا تحتاج إلي فنيات الشعر العالية.. وخصوصيته الموسيقية والتخييلية.

• الشاعر السوداني  التيجاني يوسف بشير لم ينل من الذيوع والانتشار مايستحق.. ما قراءتكم للتيجاني وابداعه خاصة أنك كتبت عنه في كتابك ( شعراء العمر القصير)؟

– لقد رحل التيجاني في الخامسة والعشرين من عمره.. ولم يترك سوي بعض المقالات في الأدب والنقد.. وديوان الصغير ( إشراقة)

وصغر سنه كان عاملا حال دون انتشاره وذيوع فنه.. إلي جانب حياته البائسة منذ الطفولة.. وشكايته من الفقر والمرض.. وقلة إنتاجه الشعري برغم تفوقه إبداعيا.

كما نعلم  لم ينل من النقاد ما يستحقه.. ربما لاتجاهه إلى التصوف والعزلة في حياته.

لكن تلك العوامل وغيرها برغم قسَوتها.. فإن نضاله من أجل البقاء وصراعه مع المرض.. وفلسفته في أشعاره القليلة تستحق كثيرا من القاء الضوء علي تجربته المتفردة.

•  هل من ذكريات جمعتك بشعراء السودان الذين عاشوا  في القاهرة : محمد الفيتوري.. جيلي عبد الرحمن.. تاج السر حسن؟

– طبعا هناك لقاءات متعددة في َمهرجانات ومؤتمرات وجلسات خاصة في القاهرة وخارجها.

لكن الفيتوري كانت تربطني به علاقة خاصة.. وقد كتبت دراسة في مجلة الفكر المعاصر عام ١٩٦٨ عن ديوانه ( اذكريني يا أفريقيا) وصرنا أصدقاء بعد ذلك.

وأتذكر أننا كرمناه في اتحاد كتاب مصر بالقاهرة وأقمنا له ليلة فنية من أشعاره قمت بإعدادها.. وكم كان سعيدا بهذا التكريم.

إن شعراء السودان هم الجناح الآخر لطائر الشعر الذي يربط بين مصر والسودان.. أما الشعب السوداني فأدرك تَاما كم هو مثقف وقارئ ومتذوق.

إننانعتز بمبدعي السودان وكان الطيب صالح صديقا حَميما.. ولكل سوداني في قلوبنا محبة خاصة ومكانة متفردة.

• الجوائز العربية أحدثت حراكا في الساحة الثقافية.. إلى أي مدى انعكست هذه الجوائز على حركة الابداع وتطورها.. وما تقويمكم لها؟

– في البداية أريد أن أؤكد أن الجائزة لا تصنع مبدعا.. لكنها مهَمة جدا في تاريخه..

والجوائز العربية تنقسم إلي قسَمين : جوائز ذات سمعة طيبة حسنة.. وأخري متأثرة بالمصالح المشتركة أو المجاملات ولا تمت إلي الابداع وقيَمه الفنية.

وبقدر نزاهة وموضوعية الجائزة.. يأتي التقدير لها من المتابعين والمثقفين.

وكثرة الجوائر هنا وهناك أفقدتها مكانتها وتأثيرها..

وباختصار.. فالجائزة التي تعلن عن طريق الدولة ووزارة ثقافتها تخظي بالاهتمام والتقدير عن تلك الجوائز التي توسم بأشخاص إلا في القليل النادر.

وأنا شخصيا حصلت علي أغلب جوائز الدولة الرسمية في مصر.. وأعتز بذلك.. ولا أسعي إلي جائزة خارج بلدي.

• في أزمة الأنظمة العربية يواجه المثقف خيارات صعبة بين رؤاه ومشروعه الابداعي.. واتجاهات السلطة التي تحتوي المبدعين وقادة الفكر.. ما المخرج من هذا الصراع المأساوي؟

– لي كتاب بعنوان ( الشعراء والسلطة) رصدت فيه هذه العلاقة المتوترة دائما بين الطرفين.

وهي علاقة لا تستقر علي حال.. والعبء الأكبر فيها يقع علي المبدع أو المثقف.. وقدرته علي المواجهة والحفاظ علي موقفه أمام تحديات كثيرة يواجهها دائما.

إن التاريخ لا ينسي مواقف المبدعين القدامي.. لكنه في نفس الوقت يطالبنا بألا نحكم عليهم بمقاييس عصرنا.

فليس منطقيا مثلا أن نحكم علي موقف المتنبي من كافور ومدحه إياه ثم هجائه دون أن ندرس المناخ السياسي والثقافي السائد آنذاك.. 

وهكذا..

وأعتقد أن المبدع ليس من عمله الصراخ وتوجيه الرأي العام.. بقدر جذبه إلي قضايا شائكة لكي يفكر فيها ويتخذ موقفا.

إن المبدع يصف ويشخص ويحرض.. ويحرص علي تأكيد الحلم بتغيير الواقع.. وعليه أن يتحمل الصدام مع السلطة – أي سلطة – وعواقبه.. إذا كانت تعرقل هذا الحلم.

والأمثلة كثيرة تدل علي أن المبدعين والمثقفين العرب ليسوا سواء في اتخاذ المواقف.. فبعضهم يتخذ موقفا ثابتا لا يحيد عنه ويتحمل من أجله الكثير.. وبعضهم الآخر يمالئ وينافق من أجل الفوز بمكاسب وقتية.. وهناك فريق ثالث يعيش مع كل العصور ويغير جلده دون أن يشعر بالخجل أو العار..

إن عو امل الاقتصاد والسياسة السائدة في أي عصر تفرز هذه الأنواع بدرجات وأشكال مختلفة.. لكن الكر ة كما ذكرت تبقي دائما في حوزة المبدع أو المثقف ليختار موقفه كما يشاء.

(نقلاً من مجلة القوافي)

 

شارك الحوار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *