السودان… حين يكون الفقر من صنع اليد لا من قدر الأرض

408
محمداني2

هيثم محمداني

كاتب صحفي

• في بلادٍ تجري تحتها الأنهار، وتُشرق عليها شمس الذهب، وتتنفس أراضيها بخيرات الزراعة والمناخ، لا يُعقل أن يكون الجوع سيد المائدة، والفقر عنوان النشرة، والنزوح من الريف إلى المدينة زحفًا على الأمل لا على الأقدام. هذا هو السودان، البلد الذي حباه الله بكل شيء، إلا حُسن التدبير.

نعم، مشاكلنا كثيرة… لكن جذورها واحدة

لا أحد يُنكر أن مشاكل السودان أكثر من أن تُعدّ، وكل واحدة منها كفيلة بأن تُلقي بالبلاد إلى ذيل قوائم التنمية. من ضعف البنية التحتية، إلى تدهور التعليم والصحة، إلى النزاعات السياسية، وتفشي الفساد، وهجرة العقول… لكن، حين نُمعن النظر، نجد أن كل هذه العلل ليست إلا فروعًا لشجرة واحدة أصلها غائب: الإدارة.

إن أزمة السودان الحقيقية هي أزمة إدارة شاملة، تطال كل المفاصل:

إدارة الموارد الطبيعية والبشرية

إدارة الحكم ومؤسسات الدولة

إدارة القوانين وفرض هيبتها

إدارة الزمن والفرص

إدارة الأولويات قبل المشاريع

فالخلل لا يكمن فقط في وجود القوانين، بل في غياب من يُحسن صياغتها، وغياب من يفرضها بعدل لا بعنف. فما فائدة دستور لا يُحترم؟ وما نفعُ قوانين لا تُطبّق إلا على الضعفاء؟ هنا تتجلى أزمة الإدارة لا كخلل إداري فحسب، بل كاختلال حضاري.

امتلكنا الموارد… وخسرنا الإدارة

السودان ليس بلدًا فقيرًا، بل بلدٌ أُفقِر. ليس بالعجز عن العمل، بل بسوء من تولوا الأمر. فالثروات التي تُعد بالمليارات: من مياه النيل المتدفقة، إلى أراضٍ زراعية بملايين الأفدنة، ومن ذهبٍ تئن به باطن الأرض، إلى ثروة حيوانية هائلة… كلها تنزف تحت وطأة الإهمال وسوء التخطيط.

الذهب: نُنتج ولا نربح، نستخرج ولا نستثمر، نُصدّر في الخفاء ونستورد في العلن.

الزراعة: غِنى التربة يُقابله فقر السياسات الزراعية.

الثروة الحيوانية: نملك القطيع ونشتري الحليب.

العنصر البشري: هُجّر العلماء، وغُيّب المبدعون، وسُجنت الكفاءات في دائرة التهميش.

ليست المشكلة في المورد… بل في من يُديره

لقد أصبح من الواضح أن الثروة لا تُغني إذا لم تُحسن إدارتها، وأن الوطن مهما كَبُر حجمه، يصغُر بمقدار عقليته الإدارية. والعقل الذي لا يُخطط، يُضيع؛ والإرادة التي لا تُطبّق، تضعف؛ والنظام الذي لا يُراقب ذاته، ينهار على صمته.

خاتمة: من لا يُدير، لا يَستحق أن يملك

السودان اليوم لا يحتاج معجزة سماوية، بل نهضة إدارية. لا ينقصنا المال، بل العقل الذي يحسن تدبيره. لا نفتقر إلى الموراد، بل إلى نظام يضع القوانين بحكمة، ويطبّقها بعدالة. إن لم نصلح عقل الدولة، فكل ما نملكه سيتحوّل إلى سراب.
فالذهب بغير عقول تُديره، تراب.
والماء بلا سياسات ترويه، جفاف.
والثروة البشرية بلا عدالة، هجرة أو خذلان.

فلنُوقن تمامًا: إن لم نُدِر ما نملك، فنحن لا نملكه فعليًا… بل نُسلِّمه تدريجيًا للضياع.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *