السودان بين مطرقة الذهب والعبيد وسندان هيبة الدولة  

30
طارق عبدالله

د. طارق عبدالله

كاتب صحفي

 • لم تتغير سياسة المجتمع الدولي تجاه السودان من فكرة محمد علي باشا في غزوه لبلادنا من أجل المال والرجال، أو كما كانوا يقولونها آنذاك من أجل (الذهب والعبيد) كما درسناها في مناهجنا التعليمية. لكون السودان معروفاً منذ قديم الزمان بثرواته المعدنية، وفي مقدمتها الذهب والحديد واليورانيوم وغيرها من المعادن، بجانب الأراضي الخصبة ومصادر المياه المتعددة. وعرف أيضاً عن الشعب السوداني الفراسة والشجاعة وحبه للجندية، فقد أوقف جنوده المشهورون برماة الحدق زحف الجيوش العربية بقيادة عبدالله بن أبي السرح من التوغل لداخل إفريقيا، فعقدوا معهم اتفاقية (البقط) التي تعني العبيد. هكذا توارثت الدول الغربية تلك الفكرة بذات مسمياتها، وأخذت تتعامل مع السودان دون مراعاة أنه دولة مستقلة لها قرارها ولها تاريخها الطويل في الصمود والمواجهة، ولكن لعنة الذهب والعبيد ظلت تطاردنا بمحاولة السيطرة على بلادنا بطرق مختلفة وأساليب متعددة، شغلت حكوماتنا الوطنية في مشكلاتها، ومنعتها من الاستفادة من ثرواتها. 

والسودان تطمع فيه كل الدول بما فيها الصديقة، وذلك مفهوم لكل سوداني يدرك تلك الحقيقة ويؤمن بها، دون أن يسعى للتخلص من تلك النظرة، ومحاولة تغيير تلك المفاهيم، والسبب في اعتقادي ضعف الحكومات السابقة، وفشلها في توعية الشعب ومحاولة تغيير مفاهيمه. وعلى النقيض تماماً فعلت الحكومات الوطنية بأنها ساهمت في غرس جذور المشكلات التي تؤدي لإقعاد الوطن لأعماق بعيدة، من خلال ممارسات خاطئة في الحكم، بالاتكاء على القبلية والجهوية، حتى أصبح من الصعب تشكيل حكومة يرضى عنها نصف الشعب، وهذا واقع نعايشه اليوم.

  الإنقاذ كانت تؤمن أن العالم لن يحترمك ما لم تكن قوياً، ويسند ذلك منطق العقل والتفكير السليم، ولكن من الصعب الوصول لتلك القوة في عالم تسير به التحالفات والتآمر، ورغم إن الشعوب الإفريقية يلهمها الرؤساء الأقوياء، إلا أنها نفسها (أي الشعوب) تعمل على إضعافهم وإسقاطهم، وإني أتابع باهتمام شديد الاحتفاء برئيس  بوركينافاسو الجنرال إبراهيم تراوري وعرضه كقائد شجاع يدير وجهه عن الغرب وينكفي على دولته من أجل تطورها وتنميتها وإظهار هيبتها، ولكنه حتماً سيسقطونه وقد يقتلونه، لأن صمود الشعب الإفريقي مع حكومته قليل المدة سرعان ما تمله، ثم تبدأ في التآمر عليه وإثارة المشكلات ضد حكومته، ثم يتعاملون مع الخارج من أجل إسقاطه. 

من الغرائب إن دول الغرب أخذت تتعامل مع إسقاط الحكام العرب والأفارقة على أنه عمل تجاري، فأصبحت له شركات يتعاقدون للإسقاط بالطرق السلمية، كما هو الحال لشركة (أوتبور) الصربية، التي نفذت ثورات الربيع في كل الدول العربية. أو عن طريق العمل المسلح كشركة (فاغنر ) الروسية، أو (بلاك وتر) الأمريكية، والعديد من الشركات. حتى إن فكرة الاستثمار في عدم استقرار شعوب دول العالم الثالث ليست وليدة العصر، وإنما تطوير لفكرة الاستعانة بمرتزقة غربيين لتقديم خدمات عسكرية للفصائل المسلحة. ونحن في السودان لدينا تجربتنا مع المرتزقة الألماني (مانو)، الذي كان يعمل مع الحركة الشعبية في منتصف الستينات وحكايته معروفة، وينتهي بنا الحديث إن الغرب تجاوز تدخل حكوماته المباشر في الدول الأخرى، وأسندها لشركات تجارية يدعمها بالقرارات الدولية لتحقق له أهدافه، ولكن ذلك لا يمكن أن ينفذ ما لم يكن هناك بعض ضعاف النفوس أو المخدوعين من جلدتنا، يتبنون المخطط، ويظهرون كواجهات وطنية لها مطالبها، وحالياً نحن نعيش في السودان تلك التجربة بتقديم الدعم السريع واجهة، ولكن الحرب تديرها دول ولوبيات لأغراض هي نفسها أغراض محمد علي باشا في غزو السودان.

السؤال المحير لماذا لم يتطور تفكير شعبنا طيلة تلك السنوات؟ والإجابة واضحة إننا نتوارث سلبيات عديدة جيلاً عن جيل، لا تفارقنا مهما تعلمنا وارتقينا أكاديمياً واجتماعياً – الوليد مادبو  نموذجاً – فقد بلغ من المكانة الاجتماعية والأكاديمية علواً ولا فرق بينه وبين (عمسيب)، وتفكيره لم يتعد تفكير (اللايفاتية)، حتى إن مقولة (القلم لا يزيل بلم) القديمة تمارس اليوم. ويبقى كيف يمكن أن تنهض الحكومة بالشعب مع ذلك الموروث التاريخي؟ وكيف نستطيع تكوين حكومة قوية في ظل الاستسلام للموروث نفسه؟ نقترب من مرحلة اليأس في إنشاء دولة قوية وشعب متطور، ويبقى ليس أمامنا إلا تقديم نماذج الحكم القمعية التي تصلح لحكم الأفارقة، وهي الحكم عن طريق القوانين الرادعة، وإغلاق الدولة خاصة الصادرات لسنوات حتى تنهض. فالأمر لن يضر بالاقتصاد القائم في الأساس على الإيرادات وجيب المواطن.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *