الخلاوى والتعليم في زمن الحرب

111
د. خالد مصطفى

د. خالد مصطفى إسماعيل

كاتب صحفي

• الخلاوى هي مدارس دينية  صغيرة، بها أساتذة بسطاء استطاعوا محو الأمية والجهل على مر عقود من الزمان، قبل أن يعرف العالم التعليم الحديث. 

فالخلوة مؤسسة تعليمية دينية شعبية تربوية، تعمل على تعليم النشء القراءة والكتابة وتحفيظ القرآن ومبادئ الفقه، وارتبطت الخلاوى في السودان بالمتصوفة، ولها تاريخ طويل يمتد مئات السنين. 

في هذا المقال نريد أن نلفت الأنظار إلى الخلاوى الصغيرة التي تكونت في القرى والأحياء وتجربتها، وليس إلى الخلاوى الكبيرة التي تشد لها الرحال في مقرات المتصوفة الرئيسية. 

فقد لعبت هذه الخلاوى الصغيرة في القرى والأحياء دوراً متعاظماً في محو الأمية، وتعليم النشء القراءة والكتابة، وتحفيظهم القرآن، فضلاً عن تعليمهم مبادئ الفقه. 

وقد فعلت كل ذلك ببساطة ويسر، واتبعت طرقاً تتلاءم مع البيئة وحياة السكان، وبرنامجهم اليومي، وطبيعة نشاطهم. 

فمثلاً مواعيد الدراسة بالمساء، بعد صلاة المغرب مباشرة، وحتى أذان العشاء، وهو نظام مريح جداً، يتناسب مع واقع السكان، بعد أن  يفرغ الكل من أعماله، فالأطفال يعملون على مساعدة أهلهم في الزراعة والرعي صباحاً، ويتفرغون للدراسة في الخلوة مساء. 

أما بالنسبة لمستلزمات الدراسة، فكانوا  يستخدمون (اللوح) و(الدواية)، وهي تعمل عمل الكراس والقلم في المدارس، وتصنع من مواد محلية. فاللوح والدواية يصنعان محلياً من الخشب، كما يستخدمون حبراً محلياً يصنعونه من الفحم والصمغ والماء. والأقلام التي يكتب بها على اللوح تصنع من القصب، كل هذه الأشياء محلية بنسبة مائة في المائة.

أما بالنسبة لمكان الدراسة، فهو غالباً ما يكون فناءً كبيراً في وسط الحي أو القرية، أو فناء أحد المساجد أو الزوايا. وتستخدم المواد المحلية المتاحة في إنارة المكان وإضاءته، فالحطب يستخدم لإيقاد النار واستخدامها في الإضاءة للدارسين،  حيث توقد النيران وترتفع عالياً لتضيء كل المكان وما حوله، والحطب يأتي به الدارسون، فهو متوفر في البيئة. 

أما  الدارسون، فكانت الخلوة تستقبل الأطفال من كل الأعمار، وتقريباً كل أطفال القرية من الجنسين يذهبون إلى الدراسة في  الخلوة ليلاً. 

والدراسة كانت مجاناً تماماً، لا توجد أي رسوم من أي نوع، مما  يساهم في عدم حرمان أي طفل من الدراسة بسبب الفقر. 

لعبت الخلاوى دوراً كبيراً وقتها، كان ذلك قبل أن يأتي الإنجليز بالتعليم النظامي والمدارس النظامية الحكومية، وحتى بعد دخول التعليم النظامي ظلت الخلاوى تلعب دوراً كبيراً وتغذي المدارس بطلاب نجباء يعرفون القراءة والكتابة قبل دخولهم المدرسة،  وأيضاً تستوعب الأطفال الذين لم تستوعبهم المدارس نسبة لقلة عددها. 

ومن كثرة الخلاوي قديماً كان الناس يسافرون ليلاً بنيران الخلاوى،  ففي كل قرية أو حي توجد خلوة، والمسافرون يذهبون من نور إلى نور حتى يصلوا إلى مقصدهم. 

الحرب أبرزت جزءاً من ثقافتنا الدينية الاجتماعية في السودان، فمثلاً بعثت بفكرة التكايا من جديد، وساهمت هذه التكايا مساهمة فعالة في سد الفجوة الغذائية، وتشارك الناس الغذاء، كنوع من التكافل والتراحم، مما ساعد في حماية كثير من الأرواح. 

فمثلما تم استدعاء  فكرة التكايا، كان يفترض إعادة فكرة الخلاوى أيضاً مع بعض التعديلات لمواكبة المرحلة، من أجل تعليم الصغار؛ خاصة وأن كثيراً من الأطفال قد يفوتهم التعليم بسبب تطاول أمد الحرب، فالخلاوى تستطيع سد جزء من هذا النقص المريع في المدارس، خاصة فيما يخص  تعليم القراءة والكتابة وحفظ القرآن، وهي أي الخلاوى لا تحتاج إلى أساتذة كثر أو فصول أو مكاتب، فيكفي أستاذ واحد في مساحة بسيطة  أن ينقذ أطفال حي كامل من الأمية والجهل إلى نور المعرفة. 

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *