الخرطوم الخضراء حُلم يليق بعاصمة 

146
القصر الجمهوري

بقلم: الفريق شرطة/ محمد السراج فضل الله مكي

• عندما أُعلنت الخرطوم عاصمة للسودان مع بدايات الحكم الثنائي (الإنجليزي/المصري)، لم تكن سوى مدينة صغيرة المساحة، محدودة الامتداد، تنحصر بين السكة الحديد جنوباً، وضفاف النيل الأزرق شرقاً، وتمتد حتى مناطق الخرطوم 1 و2 و3. كانت حينها أقل ضجيجاً وسكاناً تنبض بهدوء مهيب يتناسب مع حجمها ودورها الإداري الناشئ.

في تلك الرقعة الهادئة، احتضنت المدينة دواوين الحكم، مثل سراي الحاكم العام (القصر الجمهوري حاليًا)، والسكرتير المالي (وزارة المالية)، والسكرتير الإداري (وزارة الداخلية)، والسكرتير القضائي (الهيئة القضائية). وكانت كلية غوردون التذكارية (جامعة الخرطوم) إحدى معالمها التعليمية البارزة، إلى جانب القيادة العامة وثكنات «البركس»، التي تحوّلت لاحقاً إلى داخليات للطلاب، إضافة إلى منازل الأرمن والأقباط والمصريين، وبعض الأسر السودانية.

بين الماضي والحاضر… مساحات تضيق وخضرة تختفي

مع مرور الزمن، انفجرت العاصمة سكاناً وصخباً.

ورافق ذلك ظهور صناعات جديدة دفعت لقيام المنطقة الصناعية، فازدادت معها الملوثات الناتجة عن وسائل المواصلات، واختنقت المدينة بغابات إسمنتية حجبت جمال النيل وخضرته، وارتفعت الأبراج على حساب المساحات الخضراء.

دقّ ناقوس الخطر، وتنادى المعنيون بالبيئة والسياحة لعقد الورش والندوات، بحثًا عن رؤية تعيد للعاصمة رونقها الأخضر، وتجعل من ضفاف النيل واحةً للسياحة والترويح. وأجمعوا على أن كثيرًا من المباني الحكومية التي تطوّق النيل يمكن نقلها خارج تلك المنطقة، حتى شارع الجمهورية.

رؤية طموحة وخطوة جريئة

في مطلع الألفية، صدر قرار جمهوري بإزالة كل المباني غير الأثرية وغير الفندقية من المناطق المحاذية للنيل، إلا أن التنفيذ تأخر، بذريعة غياب البدائل للمكاتب الحكومية. ولكن، بعد الحرب الأخيرة، وانكماش الجهاز الحكومي في بورتسودان، تبيّن بوضوح أن كثيراً من تلك الهياكل ما هي إلا تكدس وظيفي غير فعّال، وأن القليل من المكاتب قادر على إدارة الدولة بكفاءة.

بات من الممكن الآن «ترشيد» توزيع المكاتب الحكومية في مبانٍ متعددة الطوابق تقام في محيط مطار الخرطوم الحالي، مع تحويل المطار إلى الموقع الجديد المقترح.

خطة التحول إلى الخرطوم الخضراء

الأهداف:

1. توسيع الرقعة الخضراء في العاصمة.

2. إتاحة الوصول المباشر لرؤية النيل والاستمتاع بجماله.

3. تنشيط السياحة البيئية، وزيادة خدمات الزوارق والنشاطات النيلية.

4. ترميم المواقع الأثرية على ضفاف النيل وتحويلها لمعالم سياحية.

5. تقليل الضوضاء وانبعاثات الكربون الناتجة عن حركة المرور والمكاتب المكتظة.

الخطة التنفيذية:

1. الإخلاء الفوري للمكاتب الحكومية الواقعة على ضفاف النيل، وتشكيل لجنة عليا لتوفير البدائل المناسبة.

2. ترميم المباني الأثرية والفندقية بإشراف خبراء آثار ومهندسين، وفق معايير تحفظ طابعها التاريخي، مع إزالة أي إضافات حديثة شوهت أصالتها.

3. إزالة جميع المباني غير الأثرية الواقعة بين النيل وشارع الجامعة، وإزالة ما نسبته 50% من المباني الواقعة بين شارعي الجامعة والجمهورية.

4. تحويل المساحات المزالة إلى روابي وتلال خضراء مزينة بالنوافير، وأشجار الزينة، والمروج الممتدة.

5. فتح المباني الأثرية والفندقية للسياح والمواطنين، مع تسهيل دخولهم إليها.

معالجات مصاحبة للرؤية:

1. نقل المنطقة الصناعية بالخرطوم إلى الباقير، وإنشاء حدائق حيوان ونبات، تمثل التراث الطبيعي الوطني والعالمي، وتخصص لإكثار الأنواع المهددة بالانقراض وإعادة توطينها في بيئاتها الطبيعية مستقبلاً.

2. تحويل المنطقة الصناعية ببحري إلى فضاء أخضر ساحر، ونقل الصناعات إلى الجيلي مع وضع السياسات الكفيلة بأن تقام المصانع بمناطق إنتاج المواد الخام بالريف.

3. إعادة تخطيط أمدرمان القديمة ببناء عمارات سكنية عمودية، تتخللها ميادين خضراء.

4. دمج مستشفيات الأمراض النفسية في المناطق الخضراء، كجزء من العلاج النفسي، مع الحفاظ على مستشفى التجاني الماحي كموقع أثري.

5. نقل القيادة العامة ووحدات القوات المسلحة بمدن العاصمة إلى أطراف العاصمة (جبل أولياء، وادي سيدنا، الكدرو، جنوب وغرب أمدرمان)، وإنشاء مجمعات سكنية متكاملة للضباط والجنود.

نحو عاصمة تستحق الحياة

هذا المقترح لا يسعى فقط إلى زيادة الغطاء النباتي وتقليل انبعاث الغازات الدفيئة، بل يطمح لأن يجعل من الخرطوم مدينة تتنفس الجمال، وتتصل روحها بالنيل دون حواجز.

فلنجعل الخرطوم ترى النيل مرة أخرى… وتخضّر.

وسنعمل في حركة السودان الأخضر بكل عزيمة على دفع هذه الرؤية الطموحة نحو واقع ملموس وفق رؤية حركة السودان الأخضر في التغيير الإيجابي الإنسيابي الإبداعي الأخضر بإذن الله.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *