الحطيئة.. لا أحد يسلم من هجائه  

384
محمد المهدي

محمد المهدي الأمين

مستشار التحرير وكاتب صحفي

• الهجاء أحد ضروب الشعر عند العرب، وهو يقوم على ذم الشاعر عيوب الخصم والتشهير به، وهو نقيض المدح. وقد كان   نتاجاً لطبيعة حياة القبائل والصراعات التي تنشأ بينها.

 وكانت القبيلة إذا نبغ فيها شاعر تحتفي به، فهو المدافع عنها بلسانه. 

أما الشعراء فيلجأون إليه للتعبير عن عدم رضاهم عن الأشخاص أو الأوضاع السياسية والاجتماعية. وكان للشعر تأثير قوي،  فقد كان يُخشى مثله مثل السيوف والرماح. 

وهناك بعض الشعراء الذين اشتهروا بالهجاء مثل الحطيئة الذي حبسه الخليفة عمر بن الخطاب، لهجائه أمه وزوجته ونفسه. وبشار بن برد، الذي شكاه الناس لأبيه وطلبوا منه أن يمنع ابنه عن هجائهم. 

أما الشاعران جرير والفرزدق فقد ابتدرا أسلوباً خاصاً بهما، وهو ما عُرف بشعر النقائض، وهي مدرسة خلدت عدداً كبيراً من القصائد، فقد امتد الهجاء بين جرير والفرزدق نحو أربعين عاماً، وما زال الناس يتداولونها ويدرسونها. 

هجاء الحطيئة 

 الحطيئة شاعر هجّاء، لم يسلم من لسانه أحد، لا أهله ولا حتى نفسه. 

 فهجاؤه لاذع، وقد هجا أقرب الناس إليه، فلم تسلم منه أمّه ولا زوجه، كما هجا أباه وخاله وعمه، ثم هجا نفسه. وبلغ في هجائه حدّ السخرية ممن هجاهم ومن نفسه أيضاً. 

هجاء الزوجة

لَهَا جِسْمُ بُرْغُوثٍوَسَاقُ بَعُوضَةٍ 

 وَوَجْهٌ كَوَجْهِ الْقِرْدِ بَلْ هُوَ أَقْبَحُ

تَبْرُقُ عَيْنَاهَا إذَا مَا رَأَيْتَهَا  

وَتَعْبِسُ فِي وَجْهِ الْجَلِيسِ وَتَكْلَحُ

لَهَا مضحك كَالْحَشِّ تَحْسِبُ أَنَّهَا  

إذَا ضَحِكَتْ فِي أَوْجُهِ النَّاسِ تَسْلَحُ

إذَا عَايَنَ الشَّيْطَانُ صُورَةَ وَجْهِهَا

 تَعَوَّذَ مِنْهَا حِينَ يُمْسِي وَيُصْبِحُ

وقال في أبيه وعمه وخاله:

لـحـاك الله ثــم لـحــاك حـقـا 

 أبـا ولحــاك مـن عـم وخــال

فنعم الشيخ أنت لدى المخازي

وبئس الشيخ أنت لدى المعالي

وهجا أمه بقوله:

تَنَحِّي فَاجْلِسِي عَنِّي بَعِيدًا 

أَرَاحَ اللَّهُ مِنْك الْعَالَمِينَا

أغربالا إذَا اُسْتُوْدِعَتْ سِرًّا

وَكَانُونَا عَلَى المتحدثينا

حَيَاتُك  مَا عَلِمْت  حَيَاةَ سُوءٍ  

وَمَوْتُك قَدْ يُسِرُّ الصَّاحِبِينَا

وقيل إن الحطيئة رغب في قول الهجاء فلم يجد من يهجوه، فضاق ذرعاً فلم يجد إلا نفسه يهجوها ويشتمها فقال:

أَبَتْ شَفَتَايَ الْيَوْمَ إلا تَكَلُّمًا 

 بِسُوءٍ فَمَا أَدْرِي لِمَنْ أَنَا قَائِلُهُ 

أَرَى لِي وَجْهًا قَبَّحَ اللَّهُ خَلْقَهُ 

 فَقُبِّحَ مِنْ وَجْهٍ وَقُبِّحَ حَامِلُهُ.

والهجاء كما يكون  شعراً، فإنه يأتي في غير الشعر، مثل النثر والدعاء، ومن ذلك قال الأصمعي: «مررت بأعرابي فسمعته يقول: اللهم رب الأرباب وهازم الأحزاب، ومجري السحاب، عجّل لنا موسم الشتاء والقر والضباب. فقلت له: أمن سأمِك الصيف والحر تقول هذا يا سيد الأعراب؟

قال: لا، وإنما لأهجو العزاب إخوة الكلاب، فإن هجاءهم في القر، أشد عليهم منه في الحر».

قال الأصمعي، فمكثت أضحك من قوله حتى بلغت منزلي.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *