آمنة الهادي

بقلم: آمنة عبدالهادي خير الله 

 

• إهداء: إلى روح أمي الطيبة عليها رحمة الله وطيّب الله مرقدها.

أشعر بالأسف لأني أهدرتُ ثلاثين يومًا كانت هي آخر رمضان يجمعني بها.  

كلمة الكاتب:

من بين جميع الأيادي التي أمسكت بالقلم ذات يوم، ونسجت من الكلمات خيوطًا رفيعة مررتها على عُنق المفردات بحنكة فمالت طائعة، وانسكبت على الورق؛ فكوّنت جملاً خلدها التاريخ!

بالتأكيد لست  أهم من حاصر القلم بين السبابة والإبهام، وليست كلماتي بالشيء العُجاب، لكني بارعة في زرع الأفكار، تلك لُعبتي.

الثلاثون المُميتة..

القصة عن فتاة عملت مدة شهر مندوب مبيعات في شركة تعرّض أفرادها للخيانة وحدثت تفككات داخلية بينهم، لتجد نفسها وجهًا لوجه أمام حرب لا تعنيها.. 

ثلاثون يوم من المُعاناة، وضغوطات في العمل والمنزل والشارع مع حر الصيام وأشخاص وجدت نفسها تحمل همهم وهي حتى لا تعرفهم تمام المعرفة، تبًا إنها الإلفة تلك التي تدفعك لتعامل الجميع وفقًا لما تُمليه عليك أصالتك ونقاء سريرتك وطيبتك.. 

مغامرة خرجت منها الفتاة صفر اليدين ماديًا، لكنها فازت بأشياء معنوية كثيرة، وحصلت على خبرة ودروس في فترة أقصر من المُعتاد.

أنا آمنة الهادي 

يساورني القلق حول ما أمرُّ به هذه الأيام، لأن العاصفة التي اجتاحتني منذ مدة قريبة تستطيع ودون أدنى شك اقتلاع القيم النبيلة التي غُرست فيَّ منذ نعمومة أظفاري.

بدأت الأزمة في مطلع مارس من العام ٢٠٢٤م، عندما عُدت من رحلة قصيرة قطعتها قهرًا نحو شمالي البلاد، لم يكن من ضمن خُططي أن أمضي إلى هناك لا هذا العام ولا العام الذي يليه، لكني كنت بحاجة ماسة للهروب؛ الهروب من خيباتي.  

لكن الخيبات تلحقني سواء إن كنت في الشمال أو الشرق إنها تُحبني وأنا كذلك!

في الثامن من شهر مارس ٢٠٢٤م، قد عُدت من الخارج وأنا مُنهكة، فقد باغتتني الأيام بصفعة أخرى غير متوقعة، كُنت أُحدق في السقف ببلاهة، وأجتر عذاباتي بسخريتي المعتادة، ومن ثم قطع حبل أفكاري وصول رسالة على هاتفي، فتحتها إذا بها رسالة من شخص يقدم لي عرض عمل في شركة منتجات ألبان، كنت سعيدة أيما السعادة لأجل ذلك، وقلت في نفسي هاهي الأيام تحاول مواساتي، يا لجمال هذه الحياة.

وافقت فورًا ودون تفكير، العقبة الوحيدة كانت كيف أستطيع إقناع أبي بهذا العمل، خاصة وأنها وظيفة رائجة للرجال وبها مسحة غرابة حين تكون المندوبة فتاة. 

الخروج بسيارة بها كمية كبيرة من منتجات الألبان، ومن ثم توزيعها على أصحاب البقالات أمر مُرهق، خاصة حينما يكون العمل متزامنًا مع شهر رمضان المبارك، الجميع يعلم كيف تكون شمس السودان في الصيف وخاصة مدينة كسلا في منتصف النهار تحديدًا في رمضان، حيث درجة الحرارة ترتفع للحد الذي قد يذيب الأجساد. 

سرت نحو والدي بثقة كبيرة وتحدثت بهدوء وثبات، فأبي شخص يُتقن لغة الجسد، ومن خلال ثباتي الانفعالي يستطيع تحديد ما إذا كنت أقف على أرضية صلبة وأنني على حق وواثقة تمام الثقة، أم أن ما تحتي يهتز وحتمًا سيؤكد بأنني على باطل.

أخبرته عن الوظيفة، صمت برهة ومن ثم استطرق قائلًا: أليست وظيفة شاقة عليك، أعني الصعود والنزول؛ هذا العمل يتطلب مجهودًا جسديًا جبارًا. أكدت له أني سأكون سعيدة لذلك، ومن ثم دار نقاش قصير بيننا كانت نتيجته أن والدي وافق. 

وليته لم يفعل!

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *