• عندما نقول إنَّ مشكلة السودان في جوهرها مشكلة ثقافية، فنحن لا نلقي الكلام على عواهنه، بل نعي تماماً ما نقول.
لقد أثبتت التجربة أن كلما خفت صوت الموسيقى، ارتفع صوت الرصاص.
وحين يصم السياسي أذنه عن صوت المغني، يبدأ التهميش، وتنفتح أبواب العنف والفرقة.
إنَّ السودان، ومنذ استقلاله، لم يعرف مشروعاً ثقافياً وطنياً جامعاً.
ولو سألنا كل من تولَّى وزارة الثقافة منذ ذلك الوقت:
ما هو المشروع الثقافي الذي سعيت لتنفيذه؟
وأي تخطيط ثقافي أدرت به فترتك الوزارية؟
لجاءت الإجابة واحدة: لا مشروع، لا رؤية، لا أثر يُذكر.
والأدهى، أن وزارة الثقافة كانت – عبر العهود – مجرد وسيلة ترضية حزبية في فترات الديمقراطية، وترضية شخصية في الأنظمة الشمولية.
في حين أن الثقافة، في أي دولة راشدة، يجب أن تكون العقل المفكر الذي يوجّه بقية الوزارات، لا أن تُهمَّش أو تُفرّغ من مضمونها.
وزارة الخارجية ينبغي أن تُجسّد وجه السودان الثقافي في كل المحافل الدولية، حاملة مشروعاً يعكس تنوعنا وثراءنا.
وزارة التربية والتعليم يجب أن تحتضن كل ثقافات السودان المتعددة، وتبني المناهج على هذا الأساس، بحيث يتحقق «قبول الآخر» لا كشعار نظري، بل كواقع ملموس يتشكل من الطفولة وينمو مع الأجيال.
لقد تجاهلنا ثراءنا العظيم من الإيقاعات، واللهجات، والتقاليد، وسعينا قسراً إلى فرض نمط واحد وفهم واحد، في كل شيء، فكانت النتيجة: الانقسام والتنافر والتهميش.
إذا أردنا وطناً متماسكاً، فلا بدَّ من أن نسمع بعضنا البعض.
وهذا لا يتم إلا عبر مشروع ثقافي وطني شامل، تذوب فيه الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، وتعلو فيه كلمة المثقف المسؤول، الحادب على مصلحة الجميع، لا مصلحة حزب أو جهة.
إنَّ نهضة السودان تبدأ من هنا:
من الاعتراف بأن الثقافة هي الجذر، والموجه، والأساس. فهل نبدأ أخيراً من البداية الصحيحة؟
شارك المقال