الثقافة مفتاح الحل في السودان (5-5)

51
يوسف عبدالرضي2

يوسف عبدالرضي

شاعر وكاتب صحفي

• يخشى بعض الناس – وربما بحسن نية – أن تكون الدعوة إلى مشروع ثقافي وطني متكامل، مدخلاً للتعدي على الدين، أو انتقاصاً من مكانته في المجتمع. لكن هذه الخشية في حقيقتها مبنية على تصور قاصر، بل ومغلوط، لطبيعة كلٍّ من الدين والثقافة، وعلاقتهما العضوية ببعض.

فالدين، في جوهره العميق، ليس مجرد طقوسٍ ومواعظ، بل هو منظومة متكاملة من القيم والممارسات والسلوكيات، ومجالٌ واسع يضم الأخلاق، والنظرات الكونية، والنصوص المقدسة، والمفاهيم الروحية، والنبوات، والمؤسسات، وكل ما يربط الإنسان بالمعنى والغاية والسمو.

هذا المعنى الواسع للدين يتداخل ويتفاعل مع الثقافة، لأن الثقافة في أحد تعريفاتها العميقة: هي التعبير الجمعي عن كيفية فهم الإنسان للحياة وتشكيل سلوكه ضمنها. وهنا يتضح أن العلاقة بينهما ليست علاقة خصومة أو تنافر، بل علاقة تكامل واشتباك إيجابي.

ونحن حين ندعو إلى مشروع ثقافي سوداني متكامل، لا نتجاوز هذه الحقيقة، بل نستند إليها.

فالسودان بلد إسلامي، تزيد نسبة المسلمين فيه عن تسعين بالمئة، ومع ذلك هو بلد متعدد الأديان، متنوع الأعراق، متباين الثقافات والسحنات والمشارب. وهذه التعددية ليست ضعفاً، بل مصدر قوة حضارية، متى ما أُديرت بثقافة تعايش، ووعي جامع، يحترم التنوع ويصونه.

ومن هنا نُؤكد:

أنّ المشروع الثقافي الوطني لا يُناهض الدين، بل يستلهم مقاصده، ويترجم جوهره في أرض الواقع، لأنه يسعى إلى بناء مجتمع يقوم على:

الحرية المسؤولة. 

السلام الشامل. 

العدالة الاجتماعية. 

الاعتراف بالآخر واحترامه. 

وهذه ليست شعارات مستوردة، بل قيمٌ إسلامية أصيلة، نادى بها الوحي، وجسّدها النبي صلى الله عليه وسلم في مجتمعه المدني، حيث عاش اليهود والمسيحيون في كنف الدولة المسلمة آمنين، معززين في حقوقهم، لا يُكرهون على عقيدة، ولا يُعتدى على شعائرهم.

فالشريعة الإسلامية نفسها لم تُقِم حواجز بين المسلم وغير المسلم في الحقوق الإنسانية، بل ضمنت له الحرية في العبادة، والأمن في الوطن، والكرامة في الحياة، ما لم يتعدَّ هو على معتقدات غيره أو يؤذيهم في حريتهم.

إن الثقافة الواعية هي التي تُهذب الذوق العام، وتُنقي المجتمع من الشوائب، وتُعلي من شأن القيم، وتُنمِّي الفكر والعقل، وتُوجّه الحياة نحو التطور المستمر، في تناغم جميل لا يقصي أحداً، ولا يُهمِّش صوتاً.

لهذا، فإنَّ الدعوة إلى مشروع ثقافي وطني شامل ليست رفاهية فكرية، بل ضرورة وجودية، وشرط أساسي للعبور من أزمتنا المزمنة نحو أفق جديد، تتآلف فيه القلوب قبل العقول، وتتلاقى فيه الهويات المتعددة تحت راية 

وطن واحد.

مشروع لا يتجاوز ديناً ولا يُقصي معتقداً، بل يحتضن الجميع، ويُعيد للسودان روحه المتسامحة التي كادت تضيع تحت ركام الخلافات.

وعندها فقط، نستطيع أن نقول – بلسان الحال والمقال 

هذا السودان، المتنوع في أعراقه، المتعدد في أديانه، المتفرد في ثقافاته… يشق طريقه نحو وحدة حقيقية، ونمو مستدام، ونهضة لا تستثني أحداً.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *