التعليم في السودان بين الماضي والحاضر

121
حسن عبدالرضي

حسن عبدالرضي الشيخ

كاتب صحفي

• يستعرض هذا المقال ملامح تطور التعليم في السودان عبر مراحل زمنية مختلفة، بدءاً من إرث الخلاوي والكتاتيب، مروراً بالتعليم النظامي في العهدين التركي المصري والإنجليزي المصري، ووصولاً إلى التغييرات الهيكلية في العقود الأخيرة. ويتناول المقال التحديات التي واجهت النظام التعليمي، من ضعف البنية التحتية، وتدني التمويل، إلى تأثيرات السياسات المتعاقبة، دون إغفال محاولات المجتمع المدني والأفراد في سد الفجوات القائمة، في ظل غياب استراتيجية تعليمية مستقرة وشاملة. يعود التعليم في السودان إلى عصور قديمة، حيث أتقن السودانيون الكتابة منذ عهد مملكة كوش، ثم تطور عبر الكتابة المروية والخلاوي، التي ركزت على تعليم القرآن الكريم، واللغة العربية، وبعض مبادئ الحساب. ومع الحكم التركي المصري، بدأت المدارس النظامية، وتوسّعت في العهد الإنجليزي المصري، فأُتيحت الفرص للفتيات، وأسهمت البعثات التعليمية والجاليات الأجنبية في نشر التعليم.

شهد النظام التعليمي تغييرات متكررة، حيث قُسِّم التعليم العام إلى مراحل مختلفة عبر العقود. ففي عام ١٩٧٠، تم تعديل المراحل إلى ابتدائية (٦ سنوات)، ومتوسطة (٣ سنوات)، وثانوية (٣ سنوات). أما في عهد الإنقاذ، فتم دمج المرحلتين الأولى والثانية في مرحلة الأساس (٨ سنوات)، مع إبقاء المرحلة الثانوية (٣ سنوات)، مما قلّص سنوات التعليم العام إلى ١١ عاماً. ثم أُعيدت المرحلة المتوسطة في وقت لاحق، كما أُعيدت هيكلة التعليم العالي في عام ١٩٩٨، وفُرضت اللغة العربية لغةً للتدريس في الجامعات، تحت شعار «تأصيل التعليم».

زادت هذه التغييرات غير المدروسة من تعقيد المشهد، وأسهمت في تدهور النظام التعليمي، فظلّ التعليم في السودان يعاني من تحديات جسيمة، أبرزها الفقر، والحروب، والتسرب المدرسي، خاصة في الريف ومناطق النزاعات، حيث تواجه الفتيات، بصفة خاصة، صعوبات أكبر في إكمال تعليمهنَّ. كما أصبحت مجانية التعليم «حديث خرافة»، إذ تُفرض رسوم دراسية في مختلف المراحل، ما يحرم العديد من الأطفال من حقهم الطبيعي في التعلم.

إن ضعف الإنفاق على التعليم أدى إلى تدهور البنية التحتية، إذ يدرس الطلاب في كثير من أقاليم السودان في العراء، أو في فصول بدائية، مع نقص الوسائل التعليمية والمرافق الأساسية. كما يعاني المعلمون من تدني الأجور، وضعف التأهيل والتدريب، مما ينعكس سلباً على جودة التعليم. إضافة إلى ذلك، تعاني المناهج من الحشو، وعدم مواكبة التطورات العلمية والتقنية، الأمر الذي يثير تساؤلات حول مستوى خريجي الجامعات مقارنة بأجيال سابقة.

ومع التحولات السياسية والاقتصادية التي شهدها السودان خلال العقود الأخيرة، ازداد الوضع تعقيداً، إذ لم تُمنح أولويات كافية للتعليم ضمن السياسات العامة. فالخطة القومية لتطوير التعليم، التي أُعلنت في فترات متفرقة، كثيراً ما بقيت حبراً على ورق دون تنفيذ فعلي على الأرض. بل إن الشراكات الدولية مع منظمات التعليم العالمية، والتي كان يُؤمل أن تُسهم في إنعاش القطاع، اصطدمت بواقع إداري هش وفساد مؤسسي عطّل الكثير من المبادرات.

ورغم الصورة القاتمة، لا يزال الأمل معقوداً على الشباب السوداني، الذين أثبتوا في أكثر من مناسبة شغفهم بالعلم، وقدرتهم على تجاوز العقبات، سواء عبر التعليم الذاتي أو من خلال المبادرات المجتمعية الداعمة. إن الاستثمار الحقيقي في الإنسان السوداني يبدأ من قاعة الدرس، ويكمن في وضع سياسات تعليمية مستقرة، عادلة، ومستندة إلى البحث العلمي، لا إلى الأهواء السياسية أو الأدلجة العابرة. فبالعلم فقط، تنهض الأمم، وتنهض معها الشعوب.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *