التصنيع الأخضر ركيزة الاقتصاد البيئي ورافعة التنمية المستدامة
Admin 12 يوليو، 2025 560

إعداد: معتصم تاج السر
عضو مؤسس لحركة السودان الأخضر
أولاً: ما هو التصنيع الأخضر؟
التصنيع الأخضر (Green Manufacturing) هو نمط إنتاجي حديث يهدف إلى تحويل الصناعة من عبء على البيئة إلى عنصر فاعل في حمايتها. يرتكز على تقنيات إنتاج نظيفة، وكفاءة استخدام الموارد، وإدارة نفايات مسؤولة، مع الحفاظ على القدرة التنافسية والربحية.
إنه تحوّل فلسفي وهيكلي في الصناعة، يتطلب إعادة تصميم المنتجات، وتعديل سلاسل الإمداد، وتدريب الكوادر على تقنيات حديثة. لا يقتصر على الإنتاج فقط، بل يمتد ليشمل دورة حياة المنتج بالكامل: من التصميم إلى التخلص أو التدوير.

ثانياً: الفرق بين التصنيع التقليدي والتصنيع الأخضر
مقارنة توضيحية بين التصنيع التقليدي والتصنيع الأخضر:
في الموارد:
التصنيع التقليدي يعتمد على موارد ناضبة تُستنزف بسرعة مثل النفط والمعادن الخام، بينما يسعى التصنيع الأخضر إلى استخدام الموارد المتجددة أو تدوير المواد المستعملة لتقليل الاستنزاف.
في استهلاك الطاقة:
يعتمد التصنيع التقليدي على الوقود الأحفوري الذي يُطلق كميات هائلة من الكربون، في حين يستخدم التصنيع الأخضر مصادر طاقة نظيفة ومتجددة كالشمس والرياح والمياه.
في إدارة النفايات:
النمط التقليدي يُنتج نفايات كثيرة تُلقى غالباً دون معالجة، بينما يُولي التصنيع الأخضر أهمية لإعادة التدوير وتقليل الفاقد في كل مرحلة من مراحل الإنتاج.
في الانبعاثات والتلوث:
المصانع التقليدية تساهم في تلوث الهواء والماء والتربة، أما المصانع الخضراء فتعمل على خفض الانبعاثات واستخدام أنظمة تصفية ومراقبة بيئية فعّالة.
في التفكير المستقبلي:
التصنيع التقليدي يركّز على الربح السريع ولو على حساب الأجيال القادمة، بينما يُخطط التصنيع الأخضر لبناء اقتصاد مستدام يراعي حقوق الإنسان والطبيعة على المدى الطويل.

ثالثاً: مكونات التصنيع الأخضر
1. المواد الخام الخضراء: مثل البلاستيك الحيوي، الخشب المعتمد من غابات مستدامة، أو المعادن المعاد تدويرها.
2. الطاقة النظيفة: طاقة شمسية، ريحية، كهرومائية، أو من النفايات العضوية (الكتلة الحيوية).
3. التصميم البيئي (Eco-Design): تصميم المنتجات بحيث تكون قابلة لإعادة الاستخدام أو التفكيك أو التدوير.
4. تقنيات الإنتاج النظيف: مثل أنظمة التبريد الموفر، أنظمة منع الانبعاثات، واستخدام العمليات منخفضة الكربون.
5. إدارة دورة الحياة (Life Cycle Management): تقييم شامل لأثر المنتج على البيئة من بداية التصنيع وحتى بعد انتهاء استخدامه.
رابعاً : فوائد التصنيع الأخضر
بيئياً:
خفض انبعاثات الكربون.
تقليل تلوث الهواء والماء.
تقليص النفايات الصناعية.
الحفاظ على التنوع البيولوجي.
اقتصادياً:
خفض التكاليف طويلة الأجل عبر تقليل الهدر.
فتح أسواق جديدة تُفضل المنتجات البيئية.
خلق فرص عمل في قطاعات جديدة (الطاقة المتجددة، إعادة التدوير، الهندسة البيئية).
تحسين التنافسية والعلامة التجارية عالميًا.
اجتماعياً:
تحسين بيئة العمل.
رفع الوعي المجتمعي البيئي.
حماية الصحة العامة.

خامساً: تجارب عالمية رائدة
1. ألمانيا:
رائدة في إعادة تدوير المنتجات الصناعية، ودعم الصناعات منخفضة الكربون.
2. الصين:
خصصت مناطق صناعية كاملة لتكون مناطق «تصنيع أخضر»، وتفرض معايير بيئية صارمة على المصانع.
3. الهند:
٤. تبنت سياسات لتحويل مصانع النسيج والإسمنت إلى تقنيات موفرة للطاقة.
4. السويد:
تصل بعض مصانعها إلى مستوى «صفر انبعاثات»، باستخدام الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر.
سادساً: التصنيع الأخضر في العالم العربي
رغم ضعف البنية التحتية في بعض الدول، بدأت بعض التجارب:
الإمارات:
مصانع تعتمد كليًا على الطاقة الشمسية (مثل مصنع «ديزرت إينرجي» للألواح الشمسية).
السعودية:
خطة لزراعة الهيدروجين الأخضر ضمن مشاريع «نيوم».
مصر:
إعادة تأهيل المصانع القديمة في مدينة 6 أكتوبر لتكون منخفضة الانبعاثات.
المغرب:
إنشاء منطقة صناعية خضراء في طنجة تعتمد على الطاقة الريحية.

سابعاً: فرص التصنيع الأخضر في السودان
رغم ظروف الحرب والتحديات فإن السودان يملك مقومات استثنائية تؤهله ليكون من رواد التصنيع الأخضر في إفريقيا:
الموارد الطبيعية:
طاقة شمسية هائلة على مدار العام.
أراضٍ زراعية خصبة تدعم الصناعات الغذائية العضوية.
ثروات معدنية يمكن استخلاصها بطرق نظيفة (ذهب، كروم، نحاس).
الكوادر البشرية:
وجود مهندسين وخريجين في مجالات الهندسة، الزراعة، والكيمياء يمكن تدريبهم على التصنيع البيئي.
مجتمع شبابي واعٍ بيئياً ويمتلك الحماسة للتغيير.
إمكانيات حركة السودان الأخضر:
يمكن للحركة إطلاق مبادرة باسم «صنع في السودان… الأخضر»
تشمل:
تحفيز الصناعات المنزلية والزراعية الصغيرة لاستخدام تقنيات خضراء.
إنشاء مراكز تدوير محلية في القرى والريف.
إطلاق مسابقات ابتكار للصناعة البيئية.
التعاون مع الجامعات لإدخال مساقات في «الهندسة الصناعية الخضراء».
ثامناً: كيف نبدأ؟
خطوات عملية نحو التصنيع الأخضر في السودان:
1. التشريعات:
وضع قوانين تُحفّز التصنيع الأخضر وتمنح إعفاءات ضريبية له.
2. التعليم والتدريب:
تأسيس مراكز تدريب مهنية بيئية بالتعاون مع الجامعات.
3. الحاضنات البيئية:
دعم المشاريع الناشئة الخضراء مادياً وتقنياً.
4. الشراكات الدولية:
جذب استثمارات من منظمات البيئة ومؤسسات التنمية المستدامة.
5. التسويق الأخضر:
الترويج للمنتجات السودانية كـ»أورغانك» و»صديقة للبيئة» في الأسواق العالمية.
الوعد والمنى
نحو سودان أخضر منتج
إن التصنيع الأخضر ليس ترفاً بيئياً بل ضرورة وجودية. السودان، برغم جراحه، يمتلك فرصة نادرة للنهضة إذا ما بُنيت قاعدته الصناعية على أسس نظيفة.
فلا تنمية بلا بيئة، ولا اقتصاد بلا أرض معافاة.
ولنصنع معاً سوداناً لا يصدر الأزمات بل يصدر الغذاء الأخضر والتكنولوجيا النظيفة.
فلنحوّل رماد الحرب إلى مصانع نظيفة… ولننقش على جدران الحلم عبارة:
«من رحم الألم… يولد أخضرٌ جميل.»
شارك المقال