التأتأة: بحث شامل وأمثلة حية لطرق العلاج

415
د. عصام صالح


• التأتأة، أو ما يُعرف بالتلعثم، هي اضطراب في الطلاقة الكلامية يتميز بتكرار الأصوات أو المقاطع أو الكلمات، أو إطالة الأصوات، أو توقفات غير إرادية أثناء الحديث. تؤثر التأتأة على الأفراد من مختلف الأعمار، وقد تبدأ في مرحلة الطفولة وتستمر حتى البلوغ إذا لم يتم التعامل معها بشكل مناسب. قد تؤثر التأتأة على جودة الحياة، الثقة بالنفس، والاندماج الاجتماعي.

تعريف التأتأة

التأتأة هي اضطراب في النطق يتسم بصعوبة في تدفق الكلام، مما يؤدي إلى تكرار أو إطالة الأصوات أو المقاطع أو الكلمات، أو توقفات غير إرادية أثناء الحديث. قد يصاحب التأتأة توتر عضلي في الوجه أو الرقبة، وأحيانًا حركات جسدية إضافية، مثل رمش العين أو ارتعاش الشفتين. التأتأة لا ترتبط بالذكاء أو القدرات العقلية، بل تتعلق بكيفية معالجة الدماغ للكلام.

أسباب التأتأة

لا يوجد سبب واحد محدد للتأتأة، لكن هناك عدة عوامل تسهم في ظهورها:

1. عوامل وراثية: التأتأة يمكن أن تكون شائعة في العائلات، مما يشير إلى وجود مكون جيني.

2. عوامل نمائية: الأطفال الذين يعانون من تأخر لغوي أو نمائي يكونون أكثر عرضة للتأتأة.

3. عوامل نفسية: التوتر، الخوف أو الضغط الاجتماعي يمكن أن يزيد من شدة التأتأة، رغم أنه ليس السبب الأساسي.

4. عوامل عصبية: دراسات تصوير الدماغ أظهرت وجود اختلافات في مناطق معالجة اللغة لدى الأشخاص الذين يعانون من التأتأة.

أنواع التأتأة

التأتأة النمائية: وهي الشكل الأكثر شيوعًا، وتبدأ غالبًا بين عمر 2 إلى 5 سنوات أثناء تطور مهارات اللغة.

التأتأة العصبية: تحدث نتيجة إصابة دماغية، مثل السكتة الدماغية أو إصابة في الرأس.

التأتأة النفسية: نادرة، وتظهر عادةً بعد صدمة نفسية مفاجئة.

أعراض التأتأة

تشمل الأعراض:

تكرار الحروف أو الكلمات (مثل: كـ… كـ… كتاب).

إطالة في الأصوات (مثل: ســـــلام).

توقفات مفاجئة أثناء الحديث.

توتر أو ارتعاش في الوجه أو الرقبة أثناء التحدث.

تجنب مواقف الكلام (مثل الامتناع عن القراءة أمام الصف).

تأثير التأتأة على الحياة اليومية

التأتأة قد تؤثر على:

التعليم: بعض الطلاب يتجنبون المشاركة الصفية.

العمل: القلق من الاجتماعات أو العروض التقديمية.

العلاقات الاجتماعية: الخجل، القلق من الحكم السلبي، وتجنب المحادثات.

مثال حي:

سامي، شاب جامعي، كان يتجنب الحديث في المحاضرات خوفًا من الإحراج. رغم امتلاكه أفكارًا مميزة، كانت التأتأة عائقًا أمام مشاركته. بعد خضوعه للعلاج، أصبح أكثر انخراطًا في الأنشطة الطلابية.

تشخيص التأتأة

يتم التشخيص عادة من قبل أخصائي النطق واللغة، من خلال:

مراقبة أنماط الكلام.

دراسة التاريخ العائلي.

إجراء اختبارات اللغة والقدرات المعرفية.

تقييم التأثير النفسي والاجتماعي.

علاج التأتأة: أمثلة حية لطرق فعالة

1. علاج النطق (التخاطب)

يشمل هذا النوع تمارين لتحسين الطلاقة، مثل إبطاء الكلام، تحسين التنفس، وتقنيات ضبط الإيقاع.

مثال حي:

أحمد، طفل في السابعة من عمره، كان يعاني من تكرار الكلمات في بداية الجمل. خلال جلسات علاج النطق، تدرب على تقنية “التحدث ببطء” حيث تعلم أن يتنفس بعمق قبل التحدث، وأن يفصل بين كلماته. خلال شهرين، لاحظت والدته تحسنًا واضحًا في نطقه وازدياد ثقته في قراءة القصص أمام زملائه.

2. العلاج السلوكي المعرفي (CBT)

يركز على تغيير الأفكار السلبية المرتبطة بالتحدث، مثل الخوف من السخرية أو الفشل.

مثال حي:

ليلى، طالبة جامعية، كانت تتجنب تقديم العروض الشفوية بسبب توترها الشديد من التأتأة. خضعت لعلاج سلوكي معرفي تعلمت فيه كيفية تحدي أفكارها السلبية (“سأحرج نفسي”، “سيسخرون مني”) واستبدالها بأفكار داعمة مثل “أنا أستطيع التعبير حتى لو تلعثمت”. هذا العلاج ساعدها في تجاوز خوفها وقدّمت عرض تخرجها بنجاح.

3. الأجهزة المساعدة والبرامج الإلكترونية

تشمل أجهزة التغذية الراجعة السمعية (DAF) التي تؤخر سماع الصوت بشكل طفيف، مما يساعد على تحسين الطلاقة.

مثال حي:

خالد، موظف مبيعات، استخدم جهاز DAF في تدريبه اليومي على المكالمات الهاتفية. عندما سمع صوته بشكل مختلف عبر الجهاز، أصبح أكثر وعيًا بطريقة نطقه، وتدرّج في تحسين طلاقته حتى تخلّى عن الجهاز بعد 3 أشهر.

4. العلاج الأسري والتدخل المبكر

دور الأسرة حاسم، خاصة في المراحل الأولى من التأتأة، من خلال خلق بيئة مريحة.

مثال حي:

ريان، طفل في الرابعة، بدأ يظهر عليه علامات التأتأة. استشارت أسرته أخصائية نطق، التي نصحتهم بعدم مقاطعته أثناء الحديث، وعدم تصحيح كلامه، بل تشجيعه على الاستمرار. بعد عدة أسابيع من الدعم الإيجابي، بدأت التأتأة تخف تدريجيًا.

5. العلاج الجماعي والدعم الاجتماعي

الانخراط في مجموعات دعم يعزز الثقة بالنفس ويمنح المصاب شعورًا بعدم الوحدة.

مثال حي:

في مركز نطق في الرياض، اجتمع خمسة مراهقين يعانون من التأتأة أسبوعيًا لتمثيل مواقف حياتية مثل مقابلات العمل أو النقاشات الصفية. ساعدهم ذلك في التدرّب على الطلاقة والتقليل من القلق، وبدأوا يظهرون تحسنًا واضحًا في حديثهم.

دور الأسرة والمجتمع

الأسرة: يجب أن توفر بيئة آمنة وداعمة، وتشجع على الحديث دون انتقاد.

المدرسة: تدريب المعلمين على التعامل بحساسية مع الأطفال الذين يعانون من التأتأة.

المجتمع: التوعية المجتمعية تساعد على تقليل الوصمة وتشجيع المصابين على طلب المساعدة.

الخاتمة

التأتأة ليست عيبًا أو دليلاً على ضعف، بل هي حالة قابلة للعلاج أو التكيف معها. كلما بدأ العلاج مبكرًا، كانت النتائج أفضل. الدعم الأسري، والتفهم المجتمعي، والتدخل العلاجي المناسب يمكن أن يساعد المصاب على التعبير بحرية، واستعادة ثقته بنفسه، والمشاركة في الحياة بشكل طبيعي.

 

شارك الموضوع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *