الاستخدام القرآني للمترادفات  

215
محمد المهدي

محمد المهدي الأمين

مستشار التحرير وكاتب صحفي

• للقرآن الكريم منهج دقيق في استخدام الكلمات المترادفة، وقد أفاد في هذا المجال كل من الدكتور أحمد الكبيسي، الذي قدّم برنامجاً مفيداً في قناة الشارقة، كما نشر مؤلفه الثر بعنوان (الكلمة وأخواتها في القرآن الكريم). 

كما أن للدكتور فاضل السامرائي القدح المعلى في هذا المجال، فقد سجّل حلقات في القناة نفسها، أفادت منها الأمة الإسلامية فائدة عظيمة، إضافة إلى أنه نشر سفره الضخم المسمّى (لمسات بيانية في القرآن الكريم). 

وفي ما يلي نماذج من استخدام القرآن بعض الكلمات المترادفة. 

الفرق بين السحاب والغمام 

 وردت كلمة «السحاب» ومشتقاتها في القرآن الكريم تسع مرات، كما وردت كلمة «الغمام» ومشتقاتها في القرآن الكريم أربع مرات. فهل هناك فارق بين اللفظين أم أنهما متفقان؟

نجد أن القرآن الكريم قد فرّق بين المعنى الجوهري للمترادفين 

السحاب في اللغة هو الغيم سواء أكان فيه ماء أم لم يكن. 

أما الغمام فهو السحاب الأبيض الرقيق، وسمّي غماماً لاشتقاقه من الغم؛ وهو ستر الشيء، إذ هو يغم السماء أي: يسترها. 

والقرآن الكريم لم يستعمل الغمام لقصد سقوط المياه، فجاء الغمام بأنه سحاب لا ماء فيه. وإنما جاء مع بني إسرائيل في تيههم فكان كالظلة لهم يقيهم حر الشمس (وظللنا عليهم الغمام). ويأتي في مواضع العقاب فيحجب السماء عن الأرض بظلته (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام)، (ويوم تشقق السماء بالغمام). 

أما كلمة السحاب فورد ذكرها في مواضع إحياء الأرض وحصول الغيث، قال تعالى (حتى إذا أقلت سحابًا ثقالًا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء)، (وتصريف الرياح والسحاب المسخر)، (وينشئ السحاب الثقال). 

حتى إن الكافرين إذا نزل بهم سخط من السماء تصوروا أنه سحاب مركوم سيحيي الأرض (وإن يروا كسفًا من السماء ساقطًا يقولوا سحاب مركوم)، فهم يظنون أنه غيث حلَّ بأرضهم لذا استبشروا به.

 الفرق بين كلمتي (دارهم) و(ديارهم) في القرآن الكريم  

الصيحة هي أشمل وأهمّ من الرجفة، ويبلغ مداها أكثر من الرجفة؛ فأنت تسمع صوتاً لم تكن فيه كانفجار أو زلزال يحصل في مكان، لكن الصوت يُسمع في مكان آخر، لذا فإنها تُصيب عدداً أكبر وتبلغ أكثر من الرجفة. 

والمعلوم أن الصوت يمتد أكثر من الرجفة، ولهذا فهي تؤثر في ديار عديدة؛ لذا جاء استخدام كلمة (ديارهم) مع الصيحة كما في الآيتين 67 و 94 في سورة هود 

(وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ)، (وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ). 

أما الرجفة فيكون تأثيرها في مكانها فقط؛ لذا جاء استخدام كلمة (دارهم) مع الرجفة 

كما في قوله تعالى في سورة الأعراف:- 

(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) الآية 78 

والآية 91 (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ)، 

وكذلك في قوله تعالى: 

(فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) سورة العنكبوت الآية 37.

ولم ترد في القرآن كلمة ديارهم إلا مع العذاب بالصيحة، ولم ترد كلمة (دارهم) إلا مع العذاب بالرجفة. 

وهذا عائد إلى طبيعة العقاب الواقع.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *