• واهمٌ من يظن أن الوضع الأمني بالخرطوم سيكون مستقراً في الوقت القريب، كيف يكون والخرطوم ظلت عامين ونيف تحت رحمة جماعات إرهابية وعصابات إجرامية ترتع فيها، هذا يجعل من الصعب اقتلاع الخطر الذي دقّ أوتاده في أركان العاصمة خاصةً المناطق الطرفية التي جندت فيها المليشيا عناصر العصابات ومدمني المخدرات والفاسدين، وجعلت لهم قادة وقيادة وأسلحة ومركبات ومخزوناً من المسروقات. والاعتقاد بأن كل عناصر الجريمة والإجرام الذين التحقوا بالتمرد داخل الخرطوم قد هربوا مع دخول الجيش اعتقاد خاطئ، والحقيقة الواضحة إن المئات من أولئك العناصر أخفوا أنفسهم وأسلحتهم داخل المدينة، وسيظهرون في شكل عصابات تنهب تحت تهديد السلاح، مما يهدد أمن العاصمة. وبدأت بوادر ذلك في أمدرمان؛ حيث تنشط عصابات ترتكب جرائم متفرقة، وحتماً ستنمو تلك الظاهرة كلما استقرت الأوضاع، لتصل لمواجهة الأجهزة الأمنية بالرصاص.
ما نشاهده من إجراءات لمواجهة ذلك الخطر، لا يرتقى لمستوى الطمأنينة، مجرد عمل روتيني لجهاز الشرطة، وهو غير كافٍ لمنع ظهور تلك العصابات، الوضع يحتاج لأعلى معدلات الاستعدادات، بتخصيص وحدات مقاتلة، وتنفيذ عمليات تطويق لمناطق محددة والتفتيش الدقيق، وتنشيط عمليات البحث الجنائي، وتفعيل التدابير الاحترازية. نعم هناك شرطة تجتهد، ولكنها شرطة فقدت نصف قوتها البشرية والتشغيلية بسبب الحرب، ونهبت سياراتها وأسلحتها، ودمرت مبانيها وأجهزتها، بجانب إشكاليات ما قبل الحرب؛ المتمثلة في ضعف الرواتب، ونحن نأمل في تقوية الشرطة باعتباره الجهاز المعني بتحقيق الأمن والاستقرار، ومنح عناصره الحصانة المناسبة لمواجهة الخطر القادم، وألا نفتكر إن عملية إعادة الاستقرار ستكون سهلة في ظل معادلة صعبة، وهي تقوية العصابات وازدياد عددها مقارنة بما يصاحب من ضعف الأجهزة الأمنية بسبب مشاركتها في حرب الكرامة، الوضع يحتاج لحصانة، وإجراءات احترازية، ودعم الشرطة بالأفراد والآليات، وعقوبات رادعة ترهب وترعب، فإذا لم تتدخل الدولة على ذلك النحو، فسيكون البديل انفلاتة كاملة في العاصمة.
قناعتنا- رغم بؤس الوضع- ولكن حسمه ليس صعباً، لأن للأجهزة الأمنية تجارب سابقة في حسم الانفلات، وحققت الاستقرار رغم وجود قيادات (48) حركة مسلحة بالعاصمة بقواتهم ومقاتلاتهم، وفي ظل وجود محاكم عشوائية تحاكم وتعاقب، فذلك الإرث يطمئن إذا اكتملت المطلوبات. نعم خرجت المليشيات من العاصمة، ولكن تركت عصابة بقوة جيوش، ولا يستبعد أن يكونوا نواة لإعادة الحرب بالعاصمة، ويبقى أن يكون للمواطن أيضاً دوره في الأمن، من خلال مشاركته الفاعلة مع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، وألا يتخوف من الإبلاغ عن المتعاونين والدعامة المختبئين، فالعبرة من حرب الكرامة عدم الرأفة بالخونة والعملاء، وعدم التسامح مع المتفلّتين.