م. حمدي عباس إبراهيم
مستشار اقتصادي زراعي
• تزايد سكان العالم المضطرد، خاصة بين سكان دول العالم الثالث، أصبح معضلة في جانب الأمن الغذائي بكل أبعاده ومعانيه. يقدر عدد السكان الكلي حالياً، في العقد الثالث من هذا القرن، بحوالى ٨.٢ ملبار نسمة.
رغم المجهودات العالمية المبذولة لردم الفجوة بين إنتاج الغذاء والاستهلاك إلا أنه لا توجد نجاحات ملموسة على المستوى الكلي في العالم. إحصائيات المنظمات المتخصصة مثل الفاو تشير إلى أن عدد الجوعى في العقد الأول من هذا القرن كان حوالى 800 مليون، بينما يقدر حالياً بحوالي 750 مليوناً.
من المؤكد أن هنالك تبايناً واضحاً بين الدول المتقدمة ودول العالم الثالث حول مسألة الأمن الغذائي هذه.
التقييم لمعضلة الفجوة الغذائية ليس فقط في الكمية؛ بل أيضاً في نوعية وسلامة الغذاء، وكذلك في المقدرة على الحصول على الغذاء حتى لو توفر داخل القطر أو في دول أخرى. تلك المقدرة تتضمن عوامل مادية، أو لوجستية، أو أمنية، أو غير ذلك من محددات سلبية للحصول على الغذاء. غالباً ما يكون الهم السائد في معظم دول العالم الثالث بشأن أمن الغذاء هو الكمية، بينما في الدول المتقدمة الاهتمام أكثر من حيث النوعية والسلامة.
فى العالم الثالث نجد نسب الزيادة السكانية السنوية أكثر بصورة واضحة من الدول المتحضرة، وغالباً لا توجد ضوابط للسيطرة عليها في تلك الدول النامية؛ لذلك تظل معضلة توفر الكميات المعقولة من الغذاء، وبغض النظر عن النوعية أو السلامة، هي السائدة. ولعل من أهم أسباب عدم توفر الغذاء هذه في معظم دول العالم الثالث، فشل تلك الدول في الاستغلال الأمثل لمواردها الطبيعية، وكذلك تدني الإنتاجية في معظم المحاصيل. إضافة لهذه العوامل الاستثمارية والإنتاجية، يلاحظ الافتقار البائن للدول في كثير من البنى التحتية؛ خاصة الطرق، والتخزين، والكهرباء، مما له الأثر السلبي في تمكن المستهلك في تلك الدول من الحصول على الغذاء. وفي بعض دول العالم الثالث ربما يكون عدم الاستقرار الأمني والسياسي من المسببات. أما في دول العالم المتقدم، فقد تم تجاوز مسألة توفر كميات الغذاء للمستهلك في كافة المواقع في أي دولة، وأصبح التركيز على نوعية وسلامة الغذاء.
ولعل من أهم نظم إنتاج غذاء آمن، نظام الإنتاج العضوي. وامتد أمر الاهتمام هذا بأن تستثمر تلك الدول المتقدمة في عدد من دول العالم الثالث، التي تتوفر فيها متطلبات واشتراطات إنتاج وتصدير الغذاء الآمن والعضوي حسب ما أجازته المنظمات العالمية المعنية بالزراعة والغذاء وسلامة الغذاء.
الغذاء العضوي الآمن تعريفه أنه لا يحتوي على ملوثات؛ مثل المواد الكيماوية، والبكتريا، والجراثيم. ويتم إنتاجه وفق نظام إنتاج كلي، عبر سلسلة تشمل تاريخ وموقع الأرض والمياه، وإنتاج كل المدخلات، ونظافة الآليات المستخدمة فى الإنتاج، والترحيل والتخزين والتصنيع، وغير ذلك حتى وصول الغذاء للمستهلك. أي أن أمر هذا النظام العضوي الإنتاجي، يشمل كل المراحل من إعداد كافة مدخلات الإنتاج بصورة آمنة وسليمة، ثم العمليات الإنتاجية بما فيها من ترحيل وتخزين وتصنيع، حتى الوصول لمائدة المستهلك أيّاً كان موقعه.
ولعل أهم ما في تلك الاشتراطات، التوثيق لكل تفاصيل النظام من جهات اعتماد فنية مجازة وطنياً وعالمياً.
منظمة الزراعة والأغذية العالمية (الفاو) – وهي المسؤولة عن شأن الغذاء والأغذية عالمياً- أنشأت – – – بالتضامن مع منظمة الصحة العالمية- لجنة بمسمى هيئة دستور الغذاء (الكودكس)، ومهمتها الأساسية تأمين سلامة الغذاء. تتولى هذه الهيئة عبر لجان متخصصة إصدار المواصفات والضوابط والتشريعات التي تضمن سلامة وتداول الغذاء عالمياً. ومن ضمن التدابير لضمان غذاء آمن، التوجه نحو نظام إنتاج الغذاء العضوي هذا. وقد أفردت هيئة دستور الغذاء لجنة مختصة بهذا النظام، تعمل بالتضامن مع لجانها المتخصصة الأخرى، لضمان سلامة إنتاج وتداول الأغذية العضوية عالمياً. تصدر هيئة دستور الغذاء تقارير سنوية عن حال نظام الزراعة العضوية.
وتضمنت التقارير الصادرة في عام ٢٠٠٢م، أن المساحة الكلية في العالم تحت نظام الزراعة العضوية المعتمدة، قد بلغت حوالي ٢٥ مليون هكتار، موزعة في حوالي ٢٦ دولة من دول العالم بمختلف القارات. وتتصدر أستراليا قائمة مساحة الدول المنتجة لمنتجات عضوية، وتبلغ فيها المساحه نحو ١٠ ملايين هكتار، تليها الأرجنتين بأكثر من ٣ ملايين هكتار، ثم إيطاليا وكندا بمساحة تفوق المليون هكتار في كل منهما. ويشمل تقرير العام ذاته دولاً تتبع النظام العضوي في مساحات ٧٠ ألفاً إلى ٩٠٠ ألف هكتار وهي: الولايات المتحدة، والبرازيل، وأورجواي، وألمانيا، والصين، ويوغندا ودول أخرى.
إضافة لذلك، يتضمن تقرير العام ذاته دولاً تتبع نسبياً نظم زراعة عضوية، ولكن غير معتمدة، وذلك في مساحات جملتها ١٠ إلى ٢٠ مليون فدان. أغلب دول هذه المجموعة الأخيرة في الدول النامية؛ حيث تفتقر إلى القدرة على شراء المدخلات الموصى بها، وكذلك تطبيق اشتراطات هيئة دستور الأغذية؛ وأهمها الاعتماد العالمي.
هذه المنتجات في هذه الدول يمكن أن يشار لها بالزراعة الطبيعية وليست العضوية.
وللمقارنة بالتقدم الذي حدث في تطبيق نظام الزراعة العضوية عالمياً، نورد بعض ما ورد في تقرير ٢٠٢٢م:
بلغت المساحة الكلية لنظام الزراعة العضوية عالمياً ٩٦.٤ مليون هكتار (أي ١.٦ % من الجملة الكلية للمساحة المزروعة عالمياً).
أهمّ الدول المنتجة للمحاصيل العضوية فى هذا التقرير، تشمل: أستراليا بمساحة ٥٣.١ مليون هكتار (أغلبها مراعٍ)، ثم الأرجنتين ٤.٧ مليون هكتار، ثم إسبانيا ٢.٧ مليون هكتار، ثم الولايات المتحدة ٢.٣، وفرنسا ٢.٣ مليون هكتار، ثم الصين مليوني هكتار.
وبالمقارنة يلاحظ الزيادة الكبيرة التي حدثت خلال الفترة بين العامين ٢٠٠٢ – ٢٠٢٢م في تبني نظام الزراعة العضوية حسب الشروط والمعايير المتفق عليها عالمياً. ونشير أيضاً إلى أن معظم الدول النامية التي وردت في التقارير، يتم الإنتاج فيها باستثمار وبمشاركة من الدول المتقدمة، حيث السوق العالمية لاستهلاك المنتجات العضوية المعتمدة. ويتضمن التقرير أن قيمة المنتجات العضوية فى العام ٢٠٢٢م قد بلغت ١٣٥ مليار يورو. وتتصدر الولايات المتحدة الأمريكية قائمة المستهلكين بأكثر من ٥٢ مليار يورو، ثم ألمانيا ١٥.٨ مليار يورو، تليها فرنسا ١٣.٣ مليار يورو.
ملخص هذه القضية الجوهرية في حياة الإنسان، المتعلقة بالغذاء من ناحية الكمية وناحية الأمن والسلامة، تؤكد أهمية بذل المزيد من المجهودات، والتضافر بين مختلف دول العالم، عبر التنظيمات المتخصصة، للحد من الزيادة السكانية بهذا التوالي المستمر؛ وبالتوازي مع ذلك، العمل على زيادة إنتاجية كافة المحاصيل. كذلك العمل على إمكانية توفير الأغذية لكل المستهلكين، وإزالة كافة المعوقات أمام ذلك، خاصة في الدول النامية. وبجانب كل ذلك، العمل على زيادة وعي المستهلك، وكذلك كل ما يضمن سلامة الأغذية بتطبيق النظم الحديثة، مثل الزراعة العضوية، أو استنباط نظم وتقنيات أخرى تخدم هذه الأهداف.
شارك المقال
