
محمد المهدي الأمين
مستشار التحرير وكاتب صحفي
• من أهمّ الشخصيات في المدرسة قديماً الطالب المكلف بحفظ النظام في الفصل (الأَلْفَة)، فهو الشخصية الثالثة بعد مدير المدرسة ومرشد الصف (أبو الفصل).
الألفة يتمتع بصلاحيات واسعة، وهو مقرب من المعلمين، ومهاب بين زملائه في الفصل، وعند اختيار الألفة تكون هناك مواصفات لا بدّ من توافرها في الطالب الذي يقع عليه الاختيار، وتتمثل في النقاط التالية:
*أن يتمتع بقوة الشخصية، وطلاقة اللسان، وقوة الحجّة.
*أن يكون قوي البنية الجسمانية، حتى لا يتعرض للإرهاب من الطلاب الأقوياء، خصوصاً (الكنبة الورا).
ومن أهم واجبات (الألفة)، تسجيل الغياب، وجمع الكراسات، والتحدث مع المرشد في كل ما يخص الفصل، فهو ينقل لزملائه ما يقرر بشأن الفصل.
لكن الوظيفة الكبرى للألفة هي ضبط الفصل بين الحصص، وفي حال عدم وجود معلم بالفصل، فيكتب أسماء المهرجلين، الذين ينالون العقاب على عدم التزامهم بالهدوء في الفصل.
هذا التكليف يجعل ل(الألفة) مكانة بين زملائه، ويحظى بمعاملة خاصة منهم، فالكل يتمنى صداقته، أو رضاه، لذا تجد بعض من تقلد هذه المهمة، يتكسّب منها، فهو مدعو دائماً لتناول الإفطار مجاناً، بل تجد التلاميذ ميسوري الحال الذين يحضرون إفطارهم من البيوت، لا ينسون (حشوة) الألفة، وربما معها قطعة من الفاكهة أو الحلوى، ومنهم من يقسم إفطاره مع الألفة اتقاء لشره.
أما في شأن الدراسة، فهناك من يتكفلون ل(الألفة) بنقل الملخصات، وحل الواجبات، وتوفير الأقلام والكراسات والكتب متى ما طلبها.
فبقدر ما تقدم له يقدم لك. فلا يكتب اسمك ضمن المهرجلين، وإذا حدثت لك مشكلة تكون شهادته في صالحك.
بهذا الوضع المميز الذي يعيشه (الألفة) في المدرسة، والمكاسب المادية والعينية التي يجنيها، والمكانة التي يحتلها، تتبلور شخصية اعتادت على الأخذ دائماً، كما أنها لا تقدم عملاً إلا بمقابل، وبهذا السلوك الذي نشأ عليه (الألفة)، يخرج إلى العمل العام بالعقلية ذاتها، وبالطريقة التي شبَّ عليها، فنجد الموظف الذي يتعامل بطريقة (الألفة)، فمتى ما كنت جاهزاً لتقديم (المعلوم) كان أمرك مقضياً ولو كان مخالفاً للنظام والقانون، وإذا لم تكن من هؤلاء الذين يفهمون عقلية الألفة وطريقة إنجازه أعمال المراجعين، وتعتمد على اكتمال الأوراق وصحة البيانات وتود أن تسلك الطرق الرسمية، فإن أوراقك سترفض بألف حجة، وإجراءاتك ستعطّل، وستدخل في دوامة مواعيد لا تنتهي، حتى تعود مضطراً إلى (سكة الألفة)، وحينها ستصبح أوراقك مكتملة، وإجراءاتك سليمة، وتُنجز معاملتك في (طرفة عين).
ما أكثر هذه العقليات في مواقعنا الخدمية، وكلُّ صاحب خدمة هو طالب، وغالباً ما يكون مكرهاً ومجبراً على التعامل مع (الألفة) بأسلوبه ولغته وطريقته التي لا يعرف غيرها.
والأغرب من ذلك ظهور مساعدين ل(الألفة) في كل موقع من المواقع الخدمية، تجدهم يتفحصون طالبي الخدمات في المنشأة، وهم يتمتعون بالجرأة والصراحة، ويجيدون اختيار الزبون، وما عليك بعد أن يطلع على أوراقك سوى دفع المبلغ الذي يحدده لك، وتسليمه أوراقك، ثم تذهب لتجلس أمام بائعة شاي، ويتولى هو إكمال الإجراءات، التي لا تستغرق كثيراً من الزمن، فالطرق سالكة، والحافز موجود، والعين على زبون جديد.
إنني لا أدري هل هذا الوسيط يتمتع بإمكانات (الألفة) ولكنه لم يقع عليه الاختيار، أم هو أقل مهارة منه فرضي من الغنيمة بأن يكون (مساعد ألفة)؟
لكن المؤكد أن المواطن أينما توجّه لإنجاز معاملة تخصه، وجد المكان تحت سيطرة الألفة ومساعده. فلا بدّ له من التعامل مع ذلك الواقع. فشعار هؤلاء (ادهن السير يسير). اللهم نسألك لطفك بنا ورحمتك.
شارك المقال