إدمان وسائل التواصل الاجتماعي… سحرٌ يجذبنا وخطرٌ يهددنا

32
د. حاتم محمود عبدالرازق

د. حاتم محمود عبدالرزاق

لواء شرطة متقاعد - محام ومستشار قانوني

• في عصرٍ باتت فيه الشاشات رفيقة الصباح والمساء، تحولت وسائل التواصل الاجتماعي من وسيلة للتسلية والتواصل إلى ساحة ضخمة تلتهم أوقاتنا، تسرق منا لحظاتنا الثمينة، وتنسج حولنا خيوطًا من الإدمان الناعم الذي لا نشعر به إلا بعد فوات الأوان.

ما هو هذا الإدمان؟

هو ذلك الانغماس اللاواعي في تصفح الصور، ومتابعة القصص، وتصيّد الإعجابات والتعليقات، حتى يصبح الهاتف امتدادًا لأيدينا، ونشعر بالقلق إذا ابتعد عنا للحظة.

تتنوع أشكال هذا الإدمان، فمنّا من يدمن التواصل والتفاعل المستمر، ومنّا من يفتش في مقاطع الفيديو دون توقف، وآخرون يلاحقون الأخبار وكأن الحياة لن تسير بدون جديد عاجل. بعضهم يجد في الألعاب الإلكترونية المتصلة بالعالم الافتراضي ملاذًا آخر، فيختلط الواقع بالخيال، وتضيع الساعات بلا إحساس.

ورغم هذا كله، لا نستطيع أن ننكر أن وسائل التواصل الاجتماعي خلقت لنا أبوابًا مشرعة على العالم: جمعت البعيد، خففت قسوة الغربة، منحتنا مساحات للتعبير والعمل والتعلم، وفتحت لنا آفاقًا لم نكن نتخيلها.

لكن… أين يكمن الخطر؟

الخطر حين يتحول كل ذلك إلى عزلة صامتة، حين يصبح الهاتف بديلًا عن النظرة الحقيقية والضحكة الصادقة، حين نصحو وننام على وهج الشاشة، فنسقط في دوامة القلق، ونفقد القدرة على التركيز، ونحرم أجسادنا من النوم العميق والهدوء النفسي.

إن التحدي الأكبر اليوم هو كيف نوازن بين الانغماس في هذا العالم الرقمي وبين الإمساك بحقيقتنا الإنسانية. كيف نتحرر من قبضة الخوارزميات التي تتلاعب بأوقاتنا، وتدفعنا للبقاء متصلين حتى آخر رمق من طاقتنا.

ما الحل؟

الحل يبدأ من داخلنا… بأن نعيد رسم حدودنا مع هذه المنصّات، نخصص أوقاتًا محددة، نغلق الإشعارات المزعجة، ونعود إلى لحظاتنا الحقيقية: كتاب نقرأه، فنجان قهوة مع صديق، نزهة في الطبيعة، حوار صادق مع العائلة.

ولا بدّ من دور كبير للأسرة، والمدرسة، والمجتمع في توعية الأجيال، وغرس ثقافة الاستخدام الواعي، حتى لا نخسر مستقبلنا في زحمة الصور والقصص الوهمية.

في النهاية، وسائل التواصل الاجتماعي كالنار، قد تنير لنا الدروب، أو تحرقنا إن لم نحسن استخدامها. لنجعلها أداةً نتحكم فيها، لا سجنًا نحبس فيه أنفسنا.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *