• قاومتُ النعاس لليالٍ طويلة من الأرق، لا تُعدُّ. لكنني ابتسمتُ، ابتسمتُ لفعلتي تلك، حين نظرتُ في المرآة ورأيت امرأةً تشبهني تمامًا. وحده الزمن يفرِّق بيننا، وسِمَةُ الأمومة في وجهها كانت تشبه الحنان الذي أفتقده.
رأيتُها تبتسم، وفي ابتسامتها صباحُ أمنياتي القديمة. آهٍ، لو أن الحياة كانت بوجهِ أمي. ليتني أستطيع قول ذلك دون أن أنكسر.
جمعتُ خصلات شعري كما أجمع شتاتي، ورفعتُ لنفسي شعار هذا اليوم : «لا تستدعي الذكرى، فهي خادعة. تأتيكِ على هيئة دفء، ثم تُبلِّل صباحكِ بحزنٍ قديم».
حمّامٌ دافئ، كوبُ قهوة، وبخورٌ كانت أمي تصنعه بأنفاسها … هذا كل ما يحتاجه يومٌ رمادي، كسابقه، كسابقيه جميعاً.
شممتُ رائحة القهوة دون أن أشرب.
ومع الرشفة الأولى ..
جالسني شوق.
في الثانية ..
تسلَّلت ذكرى.
في الثالثة ..
يا الله، أكانت تلك أدمع افتقاد؟!
دلقتُ القهوة. لم أحتملها. هربتُ من إدمانها، من كل ما تنبشه داخلي. شعرتُ أنها كانت على وشك فضحي … فاستجرتُ.
أتذكَّر أن أمي كانت تقول حين تنسكب القهوة: «إن شاء الله خير». ليتها تدري، أي خيرٍ هذا الذي جلبَته القهوة المدلوقة؟!
صرتُ أحاور عقلي. قلتُ له: «عدَّ ما تملك، هل تشعر بالرضا؟ لديَّ أصحاب، كتب كثيرة، وحنين، وشوق، وافتقاد، وحزن، وأفراح كثيرة المجيء، سريعة الرحيل … هل يُرضيك هذا؟»
أنا لا أريدُ وطناً، بل أريدُ رجلاً أعشَقه حتى الثُّمالة، وطفلاً أغرقه بمشاعرٍ لم يفهمها أحد. أريدُ صديقةً تسندني عند الوجع، ولا تبوح بسرِّي، وصديقاً أفرحُ معه بلحظته، وأقول له «أُحبك» دون أن ينتظر قُبلة!