معتصم تاج السر

م. معتصم تاج السر

كاتب صحفي

• أركويت ليست مجرد حيّ شرقي الخرطوم بل ذاكرة ندية ودفء أمومي يحتضن أبناءه بغير شرط. 

إنها حنين لا يشيخ ووشم على جبين الوطن.

تضم أركويت ما يقارب ثلاثة وعشرين مربعاً لكنها عند كل محنة تنكمش لتصبح بحجم قلبٍ واحد لا تفرّق بين أهلها في ساعة الشدة بل توحدهم «نحن».

الإنتماء لأركويت يعني أنك لا تعرف الغربة.!ففيها كل شيء الأسواق، المدارس، المستشفيات، المساجد، المراكز الثقافية والرياضية. 

إنها مدينة داخل مدينة تفيض بالحياة وتغنيك عن الترحال.

وحين اندلعت الحرب لم تكن أركويت حياداً رمادياً بل جمرة متقدة ونبضاً حياً. 

قدمت الشهداء والجرحى والمعتقلين وصمدت في مواجهةً الجوع والخوف والدمار بقوة الحُبّ والإنتماء.

وحين أصبح النزوح واقعاً حمل أهل أركويت قيمهم إلى حيث ذهبوا..!

كانوا سنداً في المعسكرات والمدن يواسون ويضمدون الجراح ويجسدون حديث النبي صلى الله عليه وسلم:

«مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد…»

ومع تحرير شرق الخرطوم نهضت أركويت كعروس من الرماد زغاريدها عانقت الدموع وشوارعها غُسلت بالأمل وكل باب فُتح كان إعلاناً أن الوطن ما زال هنا.

سرعان ما تداعى أبناؤها وبناتها من داخل وخارج الوطن لإعادة الإعمار وكانت البداية من دور العبادة إيماناً بأن أولى البيوت بالرعاية هي بيوت الله.

وكانت تلك المبادرة إيذاناً بعودة الروح.

واليوم ما تزال أركويت تمارس دورها العظيم تبني، تحلم وتفتح ذراعيها للجميع لا تفرق بين من بقي ومن عاد ومن لا يزال يحلم بالعودة. 

حتى الغياب فيها له طيف حنون وله دعاء وله كرسي ينتظر على باب البيت الكبير.

أركويت ليست فقط حي مدينة بل هو خلاصة الطيبة السودانية حين تفيض والنخوة حين تصبح نمط حياة والحُبّ حين يسكن الجغرافيا. 

إنها دولة الحُبً لا ، تحتاج إلى تأشيرة دخول.! فجنسيتها تُمنح بالود والإنتماء يُوقَّع بالتعايش.

وحدها أركويت يمكن أن تقول: «هنا لا نحصي الأحباب لأننا كلنا قلب واحد ولو تغيّرت الوجوه».

هنا…البيت الكبير ما زال واقفاً لأن الحُبّ عماده والناس سقفه والتاريخ سوره الأخضر.

سلامٌ على أركويت… البيت الكبير بحجم مدينة والنبض الحي بحجم وطن.

وسلامٌ على كل من مرّ بها وأحبها أو ظل يحملها بين ضلوعه أينما كان.

أشواقي ومحبتي،

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *