عمر غلام الله

عمر حسن غلام الله

قاص وكاتب صحفي

 – افروديت!

همست لنفسي عندما رأيتها، ولكن يبدو أن من بجانبي سمع همسي فظن أنني أتكلم معه، فقال:

– (قلت شنو؟) 

ولم أعبأ به فقد كانت عيناي مسمرتان على عينيها الواسعتين الباسمتين، وكلانا لم يعد منشغلاً بالمسلسل العربي على شاشة التلفزيون البلورية، هي وسط ثلة من البنات والأطفال جاءوا لمتابعة المسلسل في بيت جيراننا –كانوا هم الوحيدين الذين لديهم هذا الجهاز في حيّنا آنذاك – وكنت أقف خلف الجدار الفاصل بيننا وبين هؤلاء الجيران أتابع أيضاً المسلسل من بيتنا وبجانبي أحد أبناء الجيران، حين وقع بصري عليها.

هل هذا ما يسمونه حب من أول نظره؟ كرر محمد الحسن سؤاله:

– قلت شنو؟ 

– أفروديت..

همست مرة أخرى

– يعني شنو افروديت؟ 

سأل مرة ثانية 

– إنها آلهة الحب والجمال لدى قدماء الإغريق، 

ثم أردفت مباشرة 

– دي منو دي؟

قال وقد عرف من نظراتي إليها من أعني بهذا الاسم الإغريقي 

– دي بت ناس الخير قاعدة مع ناس خالها حمد، جيرانا..

ولعلها خمنت ما دار بيني وبين محمد الحسن، فابتسمت ابتسامة أضاءت حياتي الكالحة، من وجهها البدر ليلة تمامه، البدر كما رآه البدوي في صحرائه، لا كما صوره لنا الأمريكان: صخوراً وأخاديد وبراكين خامدة (هي في الحقيقة لقطة من صحراء أريزونا). 

رفعت لها بحياء شديد يدي محيياً، فردت بهزة من رأسها أن قد بلغتني التحية.. ومعها كل الحب.

كان مركبنا يتهادى فوق مياه رقراقة، يمخر عباب النهر الخالد، نهر المودة الصافي، يحملنا عاشقين مجنونين ببعضها، في هيام وانسجام، لا يعكر صفوهما نظرات الشباب الغيورة، ولا حسد الفتيات، لم يكن يهمنا همسات نساء الحي، وماذا يضيرنا ما دمنا لا نفعل عيباً، لذا لم نخفي قصتنا. كان ذلك غريباً على مجتمع حيّنا الشعبي، كنت متلفعاً ببعض التحرر من تلك المستعمرة الفرنسية المتحررة- المغرب- أيام دراستي بها.

ومضت بضع سنين.. لم أعمل لهؤلاء أي حساب، فحبنا عفيف طاهر كحب بن الملوح وليلى، صافٍ صفاء سريرة الأطفال، لم نكن مثلهم في الحي، نعشق في الظلام كالخفافيش والبوم، كنا نلتقي في وضح النهار، في بيتنا أو بيتهم، تحت بصر الجميع في الحي الجميل من مدينتنا الحنينة مدني.. فليس فينا ما نخجل منه. 

ومر صيف وشتاء، ثم صيف وشتاء، ثم صيف.. كانت كل الفصول ربيعاً عندنا، ربيعاً دائما قد خُلق لأول مرة في بلادي.

لم يرق للخفافيش والبوم تحليق الحمام والقمري فوق السحاب فاردة أجنحتها للشمس المشرقة.. ليس هناك ما يمنع جماعتهم من الطيران في النهار غير طبع الخفاش الذي لا تعرف غيره، ولم تستطع قبيلة الخفافيش والبوم ان تقنع الحمام والقمري ان يغير طبعه ليطير مثلها بالليل.. هنا بدأت الحرب.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *