
عمر حسن غلام الله
قاص وكاتب صحفي
• لاحظت مدى جمال ورقة ودقة تفاصيل تمثال افروديت بالمتحف القومي اليوناني بأثينا، ومدى روعة المشهد وهي رافعة فردة حذائها بيمناها تريد ضرب الشيطان الواقف بجوارها وهو يهم بإيذائها، فيما بدا الملاك نازلاً من السماء يبعد بيده الصغيرة الشيطان عن افروديت..
ترى هل ركب فيدياس- المثّال اليوناني في عصر افروديت- آلة الزمان فجاء إلى عصرنا فرأي فتاتي على شاطئ النيل الأزرق، ثم رجع إلى عصره فنحت بإزميله تمثالاً لها، فنسبه المؤرخون لرمز الحب والجمال عندهم؟
لقد تطابقت كل الصور مع واقعنا؛ جمال افروديت في الحالتين، الشيطان وهو يريد إيذاء افروديت، الملاك يدفع أذى الشيطان بيده.. تضافرت قوى الشر علينا، حاكوا في الظلام الدسائس، صارت مجالس القهوة النسائية مرتعاً خصباً للإشاعات، كونت بعض الفتيات والشباب العصابات؛ عصابة برج المراقبة، عصابة الخرتيت والحنتيت، عصابة الأقارب، عصابة العقارب.. الخ..
عاد الربيع أدراجه من حيث أتى، ذبلت كل الأزهار.. حتى أزهار أشجار النيم لم يعد يفوح شذاها في الليالي الصيفية، بيوت الحي بدأ منظرها كئيباً كعربات قطار البضاعة في محطة السكة الحديد المهجورة، الكلاب صارت تعوي كالذئاب، بل تنوح منذرة بشؤم وشيك الوقوع؛ من سيموت الليلة يا ترى؟
– (تنوحي على عمرك)
تقول النسوة وهن منقبضات الصدور، وكأنهن بهذه العبارة قد قلبن السحر على الساحر، وفدين روح أحد أفراد الحي بروح من ينوح عليه مقدماً.. وهن لا يدرين انه ينوح على حبنا.. الذي قتلنه في مجالس القهوة!
اشتدت العواصف الهوجاء فاقتلعت كل شئ؛ أعجاز النخل، شجيرات الكتر، أعمدة تمديدات الكهرباء، ما تبقى من أعمدة الهاتف، شتلات الورد والياسمين والقرنفل والليلاك، نباتات الصبر والصبار والأراك، والحب والغرام وورثة بني عذرة.. وطار الحمام والقمري والأوز البري وطير الجنة والعصافير الملونة وهاجر الجميع لما وراء القارة، وحلقت في السماء أسراب الغربان والجوارح والبوم والعقاب والذباب.
– لم يبق في جسدينا شبر إلا وفيه طعنة رمح او ضربة سيف أو ثقب رصاصة، لماذا لا نرفع الراية البيضاء؟
قالت هي، أما أنا فلم اقل شيئا، إذ كان لساني أيضا مجروحا، كما هو حال قلبي وكبدي وعضدي.
لم نستطع أن نطاطئ رأسينا للريح، لأن رؤوسنا خلقت هكذا مرفوعة، لذا دخلت السفاية عيوننا، وملأت الكتاحة أنوفنا، وخنقتنا العبره، فماتت الأحلام والآمال والحاضر والمستقبل، وماتت الأحاسيس والمشاعر والقلوب.. وحطم زلزال (مسّينا) تمثال افروديت…
لقد مات الرمز، وجرف الطوفان الحطام، واحتفل الشيطان بإنتصاره، وهنأه أعوانه من الإنس، بينما انتحب العشاق في مشارق الأرض ومغاربها..
وساد الكون ظلام دامس،
ولم تعد تشرق الشمس..
؟
؟
ومرت سنة كبيسة
وأخرى حبيسة
ثم مر عقد ثقيل
فدهر طويل
وحين احتفل الباريسيون بليلة الألفين يوم قبل الألفية الثالثة، ظهرت في سمائي نجيمات بعيدة..
ثم ظهرت نجمة الصباح..
وأخيراً.. لاح ضوء الفجر..
شارك المقال