محمد المهدي

محمد المهدي

مستشار التحرير وكاتب صحفي.

• الموت تلك الكلمة التي لها وقع في نفس كل إنسان، وهو مصير كل حيّ، فكل نفس ذائقة الموت. ومع أنه حقّ، ولا بدّ من تجرّع كأسه، إلا أن الغالبية تخشاه، وتتمنى البقاء في هذه الدنيا. وقد وردت كلمة الموت في موقع الفاعل في  القرآن الكريم في ١١ موضعاً، ويكون المفعول به متقدماً فيها دائماً، وكأنه إبعادٌ للفظ الموت وتقديم للمفعول به، وذلك التقديم مراعاة للنفس البشرية التي تتمنى تأخر الموت. 

والأفعال التي وردت وفاعلها الموت هي: جاء، وحضر، وأتى، ويدرك، ويتوفى، وكلها تجتمع في معنى واحد، وهو الاقتراب، لكن ألفاظها اختلفت.   

ففي قوله تعالى (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي، كأن الموت حاضر مع من هو جالس بجوار يعقوب (عليه السلام)، لكن لم تُقبض روحه، يعني اقترب منه الموت،  وما يدل على أنه كان في الحضرة ولم تقبض الروح أن يعقوب- عليه السلام- كان يوصي أبناءه (إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي)، فهو لم يمت بعد، مع أن الموت حاضر عنده، وشاهد على الوصية، فكأنّ الموت اقترب منه، لكن لم ينفّذ.

 وقد ورد فعل «حضر» مع الموت في أربعة مواضع:

1. سورة البقرة 133 (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي). 

2. سورة البقرة 180 (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين). 

3. سورة النساء 18 (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا). 

4. سورة المائدة 106 (يِآ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ). 

أما الفعل جاء فقد ورد في موضعين:

1. سورة الأنعام 61 (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُون). 

2. سورة المؤمنون 99: (حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ) 

والبعد البلاغي في استعمال الفعلين هو أن حضر الموت: يعني أن الروح لم تخرج من الجسد، وما زال في النفس حياة، ومنه اشتقّ الاحتضار، ويعني دنو الأجل، فالذي يحضره الموت يتكلم ويوصي:

(أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي). فعندما حضره الموتُ سأل يعقوب أبناءه ما تعبدون من بعدي، فهو لم يفارق الحياة بعد، 

وكذلك قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّاعَلَى الْمُتَّقِين).

وهذه أيضاً تدل على ذلك، وأيضاً قوله تعالى: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ).

فالميت لا يتكلم بعد فراق الروح الجسد. أما جاء الموت فتعني حدوث الموت وخروج الروح من الجسد،  كما في قوله تعالى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُون)،  فالحفظة هم الملائكة الذين يحصون أعمال الناس، ما دامت الروح في الجسد، فإن خرجت الروح   تولت الرسل الآخرون التوفي وقبض الروح. وفي هذا دليل على حدوث الموت عند مجيئه.

وأيضاً قوله تعالى: (حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ).

هذه الآية تبيّن  تحقق الموت، ومفارقة روح الإنسان جسده.

مخرج:

الملاحظ أنه عند حدوث وفاة يكون التفكير منصباً على أن الميت رجل، والسؤال المطروح دائماً (المات منو؟)، ولا أذكر ولو مرة واحدة أن سأل أحد (الماتت منو)، وربم يكون ذلك عائداً بالنسبة إلى النساء لطبيعة النفس البشرية التي تأبى الموت، ولكن بالنسبة للرجال فيعود إلى مكانة النساء لديهم، وإشارة إلى استعدادهم ليفتدوا بنات حواء بأرواحهم.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *