مصطفى الزايد

بقلم: مصطفى الزايد 

• عَرضَتْ لأحد الصوفية حاجة، فقال له صديقه: «استعن بفلان». فقال: «إني لأستحيي أن أكذب على الله، وأنا أقول له كل يوم [إياك نستعين]، ثم أستعين بغيره!

  حين يتعرض الطفل لأمر حازب يستغيث بأمه، لأنه يعتقد أنها القادرة على دفع البلاء عنه، فإذا كبر قليلاً وحزبه أمر اسـتغاث بأبيه؛ لعلمه أنه أقدر من أمه، فإذا كبر أكثر وعرض له ما لا يقدر على دفعه اسـتغاث بأستاذه أو مدير مدرسته، لأنه يعتقد أنهما القادران على إغاثته. وحين يتجاوز مرحلة الطفولة ويكتمل وعيه يدرك أنه لا مغيث له على الحقيقة إلا الله عز وجل، فهو الأقدر من الجميع، ويسمع المستغيث حتى لو همس في سره، فلا يستغيث بغيره، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، مع أن من حوله عشرة آلاف سيف تنتظر إشارته. وليتنا ندقق بكلمة «فزع» وإلى من؟ قال الشيخ أحمد الرفاعي، قدس الله روحه: «وحقه لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع إلا هو».

عن طفولة الفكر أتحدث، أنا الصوفي الذي أقول له، سبحانه وتعالى، كل يوم سبع عشرة مرة: [إياك نستعين].

   لا ينكر الأسبابَ عاقلٌ، لكنها ليست الفاعلة، فقد لا تفيد، والله هو الذي يجعل فيها النفع إذا أراد، ولا تنفع إن لم يرد، وهو قادر بلا أسباب، بل وبعكس الأسباب.

  حين مرض أبو بكر، رضي الله عنه، مرضه الذي مات فيه قالوا له: ألا نحضر لك الطبيب؟ فقال: «الطبيب أمرضني». لذلك قيل: ما سبقكم أبو بكر بكثرة صوم أو صلاة، ولكن بشيء وقر في قلبه. و[يا ليت قومي يعلمون]. 

   [إياك نعبد وإياك نستعين] لم يقل (نعبدك ونستعينك)، لأن ذلك يعني: نعبدك في من نعبد ونستعينك في من نستعين. لكنه قدم الضمير [إياك] ليفيد القصر، أي قصر العبادة والاستعانة عليه عز وجل، فالمعنى: نعبدك ولا نعبد غيرك، ونستعينك ولا نستعين غيرك، فهو عهد بيننا وبينه نجدده في كل صلاة، فنقول، ولكن هل نفعل؟ فلماذا خاطب الله المؤمنين دون الكافرين بقوله: [يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون].

  وأخيراً، فإنني حين كتبت هذا الكلام، أدرك الفروق الدقيقة بين معاني كل من العبادة، والاستغاثة، والتوسل، ولا أخلط بينها. و[يا ليت قومي يعلمون].

   قال الشيخ أحمد الرفاعي، قدس الله روحه: «أيها المتصوف، ما هذه البطالة؟ صِر صوفياً لأقول لك «صوفي»! و[يا ليت قومي يعلمون].

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *