• على مسافة ليست ببعيدة رأيت بسمة الحياة وبهجتها. رأيت قمر حياتي، مَنْ يشبهها القمر، والقمر ليس كمثلها في شيءٍ. رأيتها تسير في ناحية من الطريق المجاور للحي الذي تسكن فيه. تتسارع بها الخطى، كأنما تستعجل الوقت والطريق.
رأيتها تمشي على استحياء من عابري الطريق وسارقي النظر والمتطفلين فارغي الحاجات. رأيتها ترمُل متعجِّلة قبل إغلاق المحلات التجارية قبيل الظهر..
وفجأةً توقفتْ أمام مدخل المحل، وكنتُ قريبًا منها، وقبل دخولها التفتتْ نحوي التفاتةَ المحب المجبَر المقهور، رمقتني يعينيها العسليتين، كأنما توجِّه إليَّ رسالة رمزية عاجلة عبر الهواء بألَّا أقترب منها أكثر، تقول عيناها: اذهب فأنا بخير.
وبعدما دخلتْ هي إلى المتجر غادرتُ أنا المكان، ولم أنسَ ما حدث بالمكان. لقد تركتُه واللهفة تأكلني والأشواق تملأني فاستيقظ الشاعرُ الذي في داخلي، وقال:
يـا ليـتنا نـلتـقي..
لو مرة في العمر..
نقول ما نشتهي..
على جمال القمر..
استيقظتُ من النوم بعد ليلة باردة الأجواء دافئة الأحداث. صحوتُ متذمِّرًا قلقًا من الصورة التي لم تكتمل، ومن المشاهد المبتورة في الحلم.
كنتُ طوال الحلم واقفًا فشعرتُ بتنمُّل القدمين فحاولتُ استئناف النوم؛ انتظارًا لحلم آخر جميل..
كان حلمًا هادئًا، كان لقاء مثيرًا، كان لقاء على الهواء بثَّته قناة (بسمة الحياة) بثًّا تجريبيًّا على قمر الأحلام الاصطناعي. انقطع البثُّ، وما زلت منتظرًا بثًّا آخر ولو تجريبيًّا على الهواء.
ومع الصباح ومع إطلالة الشمس على أعالي الأشياء في مدينتي (ليلى) كنتُ قد خرجت فشبحتُ بنظري في السماء، وإذا بقمر الأرض يحاكي قمر حياتي، عارضًا جماله في كبد السماء، كأنما وقف يعوِّضني عما فاتني من المشاهد المبتورة من لقاء كان على الهواء فأصبح لقاء في السماء.
فيا أيها القمر الزاهي المنير، لا تتعجَّل في المسير. قف لحظات واتركني أتأمل في جمالك، لعل ما فيك يسلٍّي الروح عن حبيب طال غيابه. إنني في انتظارك ليلًا يا ملك الليل ومبعث الجمال فيه. أعلم أنك ستغيب بعد قليل وتتلاشى عن الأنظار؛ فالملكة العظيمة قادمة من خلفك، ملكة النهار، الشمس الوهاجة.
بقيتُ في سيارتي حتى غادرتْ صورةُ القمر عينيَّ، فسمعت صوتًا هادئًا من ورائي، لم أتبيَّنه، فالتفت فإذا هو شرطي المرور يضع في يدي مخالفة الوقوف الخاطئ.