عوض الكريم فضل المولى

عوض الكريم فضل المولى

كاتب صحفي

• رغم ما تمر به البلد من حروب أنهكت شعبه وشردته ودمرت بنيته الأساسية، وأفقرت كل السكان، وساعدت في انتشار الأوبئة والأمراض الفتاكة. وأبعدته من محيطه الإقليمي، وباعدت بينه والمجتمع الدولي. وهددت وحدته. 

هنالك أصوات نشاذ بثت في عقول كثير من المغيبين بأن الدعوة للسلام مؤامرة دولية..

ويجب ألا يستخدم الدين أو الصراع الجهوي والإثني فزاعة ضد العملية السلمية وآلياتها الدولية الإقليمية أو مبادرات الأصدقاء. 

إنني أحب في هذه السانحة أن ألقي بعض ومضات وإضاءات حول نظرية السلام العالمي، وكيف تعمل مؤسسات المجتمع المدني عليه بعيداً عن صراع المصالح ونفوذ الدول العظمى، والتي تنشط عند هشاشة الدول الصغرى. وأن عظم الدول لا يقاس بالمساحة، أو عدد السكان، أو إنتاجها النفطي.  إنما إنتاجها الفكري، ومساهمتها العالمية، والإرادة الحرة والواعية لشعبها ومدنيتها وتقدمها الديمقراطي، واحترامها لحقوق الإنسان، واحترامها لتعهداتها ومواثيقها الأخلاقية الدولية والإقليمية. 

إن نظرية السلام عند الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تُعَدّ من أهم المفاهيم التي تشكّل الإطار الفكري والسياسي للعلاقات الدولية المعاصرة، وهي تستند إلى مجموعة من المبادئ القانونية والسياسية والأخلاقية التي تهدف إلى منع الحروب، وتسوية النزاعات بالطرق السلمية، وتعزيز الأمن والتنمية وحقوق الإنسان.

وهذا ما اتفق عليه المجتمع الدولي؛ ونحن إحدى الدول الموقعة على هذا الميثاق. فلا مناص لنا ولا تنصل عنه، وواجب علينا أن نكون فاعلين فيه انطلاقاً من التزاماتنا الدولية الأخلاقية والإنسانية الراسخة في الشخصية السودانية العادية والاعتبارية. 

عرض شامل لأهم ملامح هذه النظرية

أولاً: الأساس الفكري لنظرية السلام

تقوم نظرية السلام لدى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي على ثلاثة مرتكزات رئيسية:

السلام الإيجابي

لا يُقصد بالسلام مجرد غياب الحرب (السلام السلبي)، بل وجود ظروف دائمة تمنع اندلاع الصراعات؛ مثل العدالة الاجتماعية، التنمية، احترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون.

هذا المفهوم تأثر بأفكار الفيلسوف يوهان غالتونغ حول «السلام الإيجابي».

الأمن الجماعي 

مبدأ أساسي في ميثاق الأمم المتحدة، يقوم على أن الاعتداء على دولة واحدة يُعدّ اعتداءً على جميع الدول.

الغاية منه ردع العدوان عبر التعاون الجماعي، كما يظهر في عمل مجلس الأمن تحت الفصل السابع من الميثاق.

التعددية والتعاون الدولي

تحقيق السلام يتطلب تضامن المجتمع الدولي، وتنسيق الجهود بين الدول والمنظمات الإقليمية والدولية، بدل الاعتماد على القوة المنفردة أو المصالح الضيقة.

 ثانياً: الأساس القانوني في ميثاق الأمم المتحدة

يُعد ميثاق الأمم المتحدة (١٩٤٥) المرجعية القانونية العليا لفكرة السلام العالمي، ويتضمن عدة مواد تدعم هذه النظرية:

المادة (١): تنص على أن من أهداف الأمم المتحدة حفظ السلم والأمن الدوليين، واتخاذ التدابير الجماعية لمنع وإزالة التهديدات للسلم.

المادة (٢): تؤكد على مبدأ عدم استخدام القوة أو التهديد بها، واحترام السيادة والمساواة بين الدول.

الفصل السادس:

 يتعلق بتسوية النزاعات بالوسائل السلمية (المفاوضات، الوساطة، التحكيم…).

الفصل السابع:

 يمنح مجلس الأمن صلاحيات لاتخاذ إجراءات قسرية (عقوبات، أو استخدام القوة) لحفظ السلم والأمن الدوليين.

 ثالثاً: أدوات تحقيق السلام في النظام الدولي

عمليات حفظ السلام 

تنتشر في مناطق النزاع للفصل بين الأطراف المتحاربة، ومراقبة تطبيق الاتفاقيات.

تطورت لتشمل اليوم مهمات دعم الانتخابات، نزع السلاح، وبناء المؤسسات.

الوساطة والدبلوماسية الوقائية 

تعتمدها الأمم المتحدة ومنظمات مثل الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي لمنع تصعيد النزاعات.

أما العقوبات الدولية فهي أداة ضغط غير عسكرية، تهدف إلى إجبار الأطراف على الالتزام بالسلام.

بناء السلام بعد النزاع 

يتضمن إعادة الإعمار، المصالحة الوطنية، وإصلاح المؤسسات لضمان عدم تجدد العنف.

رابعاً: المجتمع الدولي ونظريات السلام الحديثة

نظرية السلام الديمقراطي: ترى أن الدول الديمقراطية نادرًا ما تتحارب فيما بينها.

السلام عبر التنمية:

 يدعمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، وتربط بين السلام والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

السلام الثقافي:

 تروّج له اليونسكو من خلال تعزيز التسامح والحوار بين الشعوب والأديان.

خامساً: التحديات التي تواجه نظرية السلام

ازدواجية المعايير في تطبيق قرارات مجلس الأمن.

تسييس مفهوم حقوق الإنسان والتدخل الإنساني.

تضارب مصالح الدول الكبرى داخل الأمم المتحدة.

ظهور فاعلين غير دوليين (منظمات إرهابية، شركات أمنية خاصة) يهددون السلم.

نظرية السلام في إطار الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ليست مجرد مثالية أخلاقية، بل هي منظومة مؤسسية وقانونية، تسعى لتحقيق توازن بين السيادة الوطنية والأمن الجماعي، وبين الردع العسكري والتنمية البشرية.

لكنّ فعاليتها تظل رهناً بإرادة الدول الكبرى وعدالة النظام الدولي.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *