متلازمة تيتز والتهاب الغضاريف الضلعية.. حالات حميدة تنتحل أعراض الأمراض الخطيرة
Admin 25 أكتوبر، 2025 21
• يُعد التهاب مفاصل القفص الصدري، أو ما يُعرف طبيًا باسم التهاب الغضاريف الضلعية (Costochondritis)، أحد الأسباب الشائعة لآلام الصدر غير القلبية، خصوصًا لدى الشباب والنساء في منتصف العمر.
تحدث الحالة نتيجة التهاب أو تهيج في المفصل الذي يربط الضلع بعظمة القص في منتصف الصدر، مما يؤدي إلى ألم قد يكون شديدًا ويشبه في طبيعته ألم القلب أو الذبحة الصدرية، ولذلك فإنها من أكثر الحالات التي تثير القلق لدى المرضى.
في السودان مثلًا، كثيرًا ما يأتي المرضى إلى المستشفيات وهم يعتقدون أنهم مصابون بمرض في القلب بعد شعورهم بألم حارق أو ضاغط في الجهة اليسرى من الصدر، وبعد الفحوصات يتضح أن القلب سليم تمامًا، وأن السبب هو التهاب بسيط في مفاصل القفص الصدري، خصوصًا بعد مجهود عضلي كبير أو بعد نوبات سعال متكررة بسبب الزكام أو الحساسية.

التركيب التشريحي للقفص الصدري
القفص الصدري يتكون من اثني عشر زوجًا من الأضلاع تتصل من الأمام بعظمة القص عن طريق غضاريف مرنة تُعرف بالغضاريف الضلعية.
هذه الغضاريف تسمح بمرونة حركة الصدر أثناء التنفس، لكن في نفس الوقت تُعد منطقة حساسة يمكن أن تلتهب بسهولة نتيجة الضغط أو الإجهاد أو العدوى، مسببة الألم المعروف باسم التهاب مفصل القفص الصدري.
الفرق بين التهاب مفصل القفص الصدري ومتلازمة تيتز
يُخلط أحيانًا بين التهاب مفصل القفص الصدري ومتلازمة تيتز، وهما حالتان متشابهتان جدًا من حيث الموقع والأعراض، لكن بينهما فروق بسيطة.
التهاب مفصل القفص الصدري يتميز بوجود ألم فقط دون تورم واضح، وغالبًا ما يصيب أكثر من مفصل في الجهة الأمامية من الصدر، ويكون مرتبطًا بالإجهاد أو الالتهاب البسيط بعد عدوى أو سعال.
أما متلازمة تيتز فتتميز بوجود تورم واضح في المفصل، وغالبًا ما تصيب مفصلًا واحدًا فقط في الغالب في الجهة اليسرى، وتظهر كثيرًا عند الشباب بعد التهابات الجهاز التنفسي.
رغم التشابه، إلا أن كلا الحالتين غير خطيرتين وغالبًا ما تتحسنان بالعلاج المحافظ.
الأسباب والعوامل المساعدة
الأسباب الدقيقة لالتهاب مفصل القفص الصدري غير معروفة دائمًا، لكن توجد عوامل عديدة يُعتقد أنها تلعب دورًا مهمًا في حدوثه.
أول هذه العوامل هو الإجهاد العضلي الناتج عن رفع أشياء ثقيلة أو أداء حركات مفاجئة أثناء العمل أو الرياضة، أو حتى بسبب الوضعيات الخاطئة المتكررة أثناء الجلوس أو قيادة السيارة.
في السودان مثلًا، تُلاحظ هذه الحالة عند عمّال البناء، والنساء اللاتي يحملن أطفالهن أو الحطب لفترات طويلة، أو حتى بين طلاب الجامعات الذين يجلسون لساعات طويلة أمام الحاسوب.
العامل الثاني هو السعال المزمن أو المتكرر، حيث يؤدي الضغط المتكرر الناتج عن الكحة إلى إجهاد المفاصل والغضاريف الضلعية، مما يسبب التهابات موضعية مؤلمة.
العامل الثالث هو العدوى الفيروسية أو البكتيرية، خصوصًا بعد التهابات الجهاز التنفسي العلوي. في بعض الحالات النادرة، قد تحدث العدوى البكتيرية بعد جراحة صدرية أو قسطرة.
كما أن الأمراض المزمنة مثل التهاب المفاصل الروماتويدي أو الفقاري اللاصق يمكن أن تؤثر على مفاصل القفص الصدري.
وتُضاف إلى ذلك الوضعية السيئة للجسم أثناء الجلوس أو النوم، والتي تسبب ضغطًا مستمرًا على عضلات الصدر.
وأخيرًا، يمكن أن تؤدي الإصابات المباشرة، كالسقوط أو الضربات على الصدر، إلى التهاب هذه المفاصل.

الأعراض والعلامات
العرض الأساسي هو الألم في الصدر، وغالبًا ما يكون الألم في الجهة اليسرى من الصدر، لكنه أحيانًا يشمل الجانبين.
يوصف الألم بأنه حاد أو ضاغط أو يشبه الطعن، ويزداد سوءًا عند التنفس العميق أو السعال أو عند تحريك الجزء العلوي من الجسم.
من العلامات المميزة أن الألم يزداد بوضوح عندما يضغط الطبيب بإصبعه على المفصل المصاب، حيث يشعر المريض بألم شديد ومحدد في تلك النقطة.
قد يمتد الألم إلى الكتف أو الذراع الأيسر، ما يجعل المريض يظن أنه مصاب بمرض في القلب.
عادة لا يصاحب الحالة ارتفاع في درجة الحرارة أو أعراض عامة مثل التعب الشديد. أما في حالة متلازمة تيتز، فقد يُلاحظ وجود تورم واضح أو انتفاخ في منطقة المفصل المؤلم.
مثال واقعي من الحياة الطبية في السودان
مريم، سيدة في الخامسة والثلاثين من عمرها من أم درمان، حضرت إلى الطوارئ وهي تشكو من ألم شديد في الصدر الأيسر استمر لثلاثة أيام.
قالت للطبيب إنها شعرت وكأن “سكينًا” في صدرها وكانت متأكدة أن قلبها أصيب بمشكلة خطيرة.
أُجري لها تخطيط للقلب وأشعة للصدر، وتبين أن القلب سليم تمامًا. عندما ضغط الطبيب على منطقة عند الضلع الثالث الأيسر، شعرت مريم بألم حاد.
تم تشخيص حالتها بأنها التهاب في مفصل القفص الصدري، وأُعطيت علاجًا مضادًا للالتهاب ومسكنًا للألم، فتحسنت حالتها خلال أسبوع واحد فقط.

التشخيص
الخطوة الأولى في التشخيص هي استبعاد الأسباب الخطيرة لألم الصدر مثل أمراض القلب أو الرئة.
يقوم الطبيب عادة بعمل تخطيط للقلب (ECG) للتأكد من عدم وجود ذبحة صدرية أو جلطة، ويُجرى تصوير بالأشعة السينية للصدر لاستبعاد الالتهاب الرئوي أو الكسور.
قد تُطلب أيضًا تحاليل دم معينة مثل قياس مستوى التروبونين إذا كان هناك شك في مشكلة قلبية، أو مؤشرات الالتهاب مثل ESR وCRP إذا كانت الحالة مزمنة.
بعد استبعاد هذه الأسباب، يأتي الدور الأهم وهو الفحص السريري، حيث يضغط الطبيب على المفصل بين الضلع والقص، فإذا شعر المريض بألم محدد في تلك النقطة، فإن هذا يشير بقوة إلى وجود التهاب في المفصل.
وفي الحالات النادرة أو المعقدة، قد يُطلب إجراء تصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) أو مسح للعظام (Bone scan) لتأكيد التشخيص أو لاستبعاد أورام أو التهابات عميقة.
العلاج
العلاج عادة بسيط ومحافظ، ويهدف إلى تقليل الألم والالتهاب وإراحة المفصل حتى يشفى.
أول خطوة هي الراحة وتجنب الحركات التي تزيد الألم مثل رفع الأوزان الثقيلة أو الانحناء المتكرر.
بعد ذلك، يُعطى المريض مسكنات للألم مثل الباراسيتامول، أو مضادات الالتهاب غير الستيرويدية مثل الإيبوبروفين أو الديكلوفيناك لتقليل الألم والتورم.
وفي الحالات المزمنة أو التي لا تستجيب للعلاج العادي، يمكن للطبيب أن يحقن كمية صغيرة من الكورتيزون الموضعي في المفصل المصاب لتقليل الالتهاب بسرعة.
كما أن العلاج الطبيعي له دور مهم، حيث يساعد في تقوية عضلات الصدر وتحسين الوضعية العامة للجسم، وتشمل الجلسات العلاج بالحرارة وتمارين التمدد الخفيفة.
ويمكن استخدام الكمادات الدافئة في المنزل لتخفيف الألم وشد العضلات.
في بعض الحالات، قد يحتاج المريض إلى دعم نفسي، لأن الألم الصدري غالبًا ما يثير القلق الشديد والخوف من أمراض القلب.
ومن المفيد طمأنة المريض بأن هذه الحالة ليست خطيرة ولا تهدد الحياة.
أما من ناحية الطب البديل، فيلجأ بعض المرضى إلى استخدام مواد طبيعية مضادة للالتهاب مثل الكركم أو الزنجبيل، لكن يجب أن يكون ذلك بعد استشارة الطبيب لتجنب التداخل مع الأدوية الأخرى.

مدة الشفاء
في معظم الحالات، يتحسن المريض خلال أسبوع إلى ثلاثة أسابيع.
لكن في بعض الحالات المزمنة، خصوصًا عند مرضى الروماتويد أو من يعانون من إجهاد مستمر في العمل، قد يستمر الألم لعدة أشهر، وإن كان يخف تدريجيًا مع الوقت والعلاج المناسب.
متى يجب مراجعة الطبيب فورًا
رغم أن التهاب مفصل القفص الصدري حالة غير خطيرة، إلا أن بعض الأعراض تستدعي زيارة الطبيب فورًا لأنها قد تشير إلى مرض قلبي أو صدري خطير.
يجب مراجعة الطبيب إذا كان الألم لا يتحسن بالراحة أو المسكنات، أو إذا صاحبه ضيق في التنفس أو تعرق شديد أو ألم ينتشر إلى الذراع أو الفك أو الظهر، أو إذا شعر المريض بدوخة أو إغماء.
كل هذه العلامات قد تكون مؤشراً على مرض قلبي يستدعي التدخل السريع.
الوقاية
الوقاية تعتمد على تجنب المسببات.
من أهم الإجراءات الوقائية تجنب الإجهاد العضلي المفرط، والحرص على ممارسة تمارين الإحماء قبل أي مجهود بدني أو رفع أوزان، ومعالجة السعال أو الالتهابات الصدرية مبكرًا حتى لا تؤدي إلى ضغط متكرر على المفاصل.
كذلك، يجب المحافظة على وضعية جلوس صحيحة أثناء العمل أو الدراسة، وتجنب التدخين لأنه يضعف الدورة الدموية ويؤثر على تغذية المفاصل والغضاريف.

حالات خاصة
عند الأطفال والمراهقين، قد يحدث التهاب المفصل الصدري بسبب حمل الحقائب المدرسية الثقيلة أو بعد نوبات سعال طويلة، وغالبًا ما تكون الحالة بسيطة وتشفى بسرعة بالعلاج المحافظ.
أما عند النساء بعد الولادة، فقد ينشأ الالتهاب نتيجة حمل الطفل لفترات طويلة في جهة واحدة، مما يسبب ضغطًا متكررًا على عضلات الصدر.
وفي كبار السن، يجب توخي الحذر لأن الألم الصدري في هذه الفئة قد يكون ناتجًا عن أمراض القلب أو الرئة، لذلك لا بد من تقييم شامل قبل التشخيص.
المضاعفات
في الغالب لا تحدث مضاعفات خطيرة، لكن في الحالات المهملة أو المتكررة قد يتحول الالتهاب إلى ألم مزمن يعيق الحركة أو النوم.
كما أن ضعف عضلات الصدر قد يؤدي إلى تكرار الالتهاب إذا لم تُعالج الأسباب المسببة له مثل الوضعية السيئة أو الإجهاد المستمر.
الفرق بين ألم القفص الصدري والألم القلبي
الألم القلبي عادة ما يكون ضاغطًا أو خانقًا، ويظهر عند بذل مجهود بدني ويزول بالراحة أو بأدوية معينة مثل النيتروغليسيرين، بينما الألم الناتج عن التهاب مفصل القفص الصدري يكون حادًا ومحددًا في نقطة معينة من الصدر ويزداد بالحركة أو التنفس أو الضغط على الموضع المصاب، وغالبًا ما يتحسن بالمسكنات البسيطة والراحة.
مثال آخر من الواقع
عمر، رجل في الثانية والأربعين من عمره، يعمل في البناء في الخرطوم.
شعر بألم صدري شديد بعد يوم طويل من رفع الطوب والحديد.
ظن أنه أصيب بذبحة صدرية، فذهب إلى المستشفى حيث أُجري له تخطيط قلب وأشعة، وكانت النتائج طبيعية.
عندما فحص الطبيب صدره وضغط على منطقة المفصل الضلعي الرابع الأيسر، شعر عمر بألم شديد في تلك النقطة.
تم تشخيصه بالتهاب مفصل القفص الصدري، ووُصف له ديكلوفيناك وجل موضعي، مع راحة أسبوع، وبعدها اختفى الألم تمامًا.
الجانب الاجتماعي والطبي في السودان
من الملاحظ أن كثيرًا من المرضى في السودان يخلطون بين ألم الصدر الناتج عن التهاب المفصل الضلعي وبين أمراض القلب، مما يسبب حالة من القلق الشديد والذعر.
ولذلك من المهم أن تعمل الكوادر الطبية في المراكز الريفية والمستشفيات العامة على توعية الناس بهذا النوع من الألم وتمييزه عن ألم القلب.
كما يُنصح الأطباء دائمًا بعدم التسرع في طمأنة المريض إلا بعد فحصه جيدًا، لأن تشخيص الألم الصدري يحتاج إلى استبعاد دقيق للأمراض القلبية أولًا، ثم بعد ذلك يمكن تأكيد أنه التهاب بسيط في المفصل.
التوعية عبر الإذاعات المحلية أو مراكز الرعاية الأولية يمكن أن تساهم في تقليل حالات الخوف غير المبرر، وتساعد المرضى على التعامل الصحيح مع الألم دون توتر.

الخلاصة
التهاب مفصل القفص الصدري حالة شائعة وغير خطيرة لكنها مزعجة، لأنها تشبه في أعراضها أمراض القلب.
يتميز الألم بأنه محدد ويزداد بالحركة أو التنفس، وغالبًا ما يختفي بالعلاج المحافظ والراحة.
الوعي بهذه الحالة مهم جدًا، لأن التشخيص الخاطئ قد يؤدي إلى قلق غير مبرر أو إلى فحوصات باهظة لا حاجة لها.
ومع ذلك، يجب عدم إهمال أي ألم صدري جديد، بل مراجعة الطبيب دائمًا للتأكد من أن القلب والرئتين في وضع طبيعي قبل افتراض أن السبب بسيط.
شارك المقال
