اللواء بكراوي.. صوت الكرامة المعتقل (1)

66
لؤي إسماعيل مجذوب 2

لؤي إسماعيل مجذوب

ضابط سابق - باحث في شؤون الأمن الوطني والحرب النفسية

• لم يكن اعتقال اللواء عبدالباقي بكراوي حدثًا عابرًا في المشهد العسكري السوداني، بل كان صدمةً عميقة هزّت وجدان كل من يعرف هذا الضابط الذي حمل روحه على كفه، وسار في خط النار دفاعًا عن كرامة الجيش والوطن.

بكراوي، الذي عُرف بخطبه المُلتهبة وتسجيلاته الصوتية التي كانت تلهب الجبهات وترفع المعنويات في أحلك اللحظات، لم يكن مجرد ضابط ميداني. كان صوتًا تعبويًا صادقًا يخاطب الضمير الوطني، يشرح الموقف، يحلل، يرفع الروح المعنوية، فيتداول الناس كلماته بشغف وكأنها رسائل السماء للمقاتلين.

ذلك الصوت الذي دوّى في معارك الخرطوم والجزيرة والنيل الأبيض، اختفى فجأة خلف جدران الاستخبارات العسكرية.

اعتُقل بكراوي في ظروف غامضة، دون أمر من النيابة أو المحكمة، ودون إخطار لأسرته، في انتهاكٍ صريح للإجراءات العدلية والانضباط العسكري.

لم تُوجه له تُهمة، ولم تُتح له فرصة الدفاع عن نفسه.

احتُجز في مقر الاستخبارات، دون أن يُنقل إلى مستشفى عسكري رغم تدهور حالته الصحية وإصابته بالسكر وحمى الضنك.

الرجل الذي قاتل في الصفوف الأمامية، وأصيب جنوده واستُشهد بعضهم في الدفاع عن الكرامة، يُكافأ اليوم بالعزلة والمرض والصمت.

إنها مفارقة مؤلمة أن يتحول بطل من أبطال الحرب إلى معتقل بلا سبب، بعد أن أدى واجبه في حرب الكرامة، تلك الحرب التي شارك فيها وهو في الخدمة الفعلية، قبل أن يُحال إلى المعاش قبل أربعة أشهر فقط.

بكراوي ليس طامحًا في سلطة، ولا باحثًا عن مكسب، بل هو ضابط نذر عمره للمؤسسة التي يخدمها منذ عقود.

هو صاحب المحاولة التصحيحية الشهيرة عام 2021، التي رآها كثيرون محاولة شجاعة لإعادة تصحيح المسار وإيقاف تغوّل المليشيا على الجيش.

إنصاف بكراوي اليوم ليس مجرد واجب أخلاقي تجاه ضابط مقاتل، بل هو اختبارٌ لضمير المؤسسة العسكرية نفسها.

فكيف يُترك أحد رموزها الذين قادوا معارك الشرف في الخرطوم والجزيرة والنيل الأبيض يواجه المرض والاحتجاز دون محاكمة أو رعاية؟

تاريخ بكراوي هو جزء من ذاكرة الجيش.

وذاكرة الجيوش لا تُنسى، بل تُكتب بالدم والتضحيات والمواقف التي لا تموت.

إن اعتقال اللواء عبدالباقي بكراوي ليس نهاية فصل، بل بداية سؤال مفتوح في وجدان كل ضابط وجندي ومواطن آمن بأن الكرامة لا تُعتقل.

سنكتب، ونفتح الملفات، ونستدعي الذاكرة العسكرية من خنادقها لتشهد للتاريخ من كان مع الوطن حين تكسرت الرايات ومن كان ضده.

فقضية بكراوي لن تُطوى، لأنها ليست عن شخصٍ فحسب، بل عن معنى الشرف العسكري نفسه.

وهذه ليست المقالة الأخيرة… بل أولى الحلقات في  «صوت الكرامة المعتقل»- شهادة للوطن، ووفاء لرجالٍ ما خانوا العهد ولا غابوا عن الميدان.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *