شيخ النقّاد (ميرغني البكري)

88
ميرغني البكري
Picture of بقلم: زين العابدين الحجّاز

بقلم: زين العابدين الحجّاز

• ولد ميرغني مكي البكري الحنفي عام 1928 في حي الهاشماب بأم درمان   من أسرة البيلي العريقة و تمتد جزور عائلته الى (منصوركتي) في شمال السودان . والده هوالشيخ المكي البكري الحنفي و والدته زهراء  ابراهيم    وهي من أب مصري و أم من دارفور .  متزوج وله  6 بنات و ولدان. قضى معظم سنواته بمنزل في حي البوستة  الذي كانت كانت به الإذاعة الى جانب وجود عدد من السينمات وعدد من المقاهي وفيها جهاز القرامافون    الذي كانت تدار به الأسطوانات . حي البوستة ضمّ عددا من المبدعين كان على رأسهم الفنان فضل المولى زنقار . كذلك ضمّ الحي  يوسف الرباطابي و الكناني و ود الحسين و العاقب محمد حسن. لقاؤه بتلك الشخصيات قد   ساعده في تنمية اهتماماته الفنية فكل هذه الأشياء  مجتمعة أيغظت في نفسه  الحس الفني والتذوق للغناء . سكن في أواخر  سنواته في منزله بمدينة المهدية الحارة 11 الذي ساهمت في تكلفة بنائه الفنانة حنان بلوبلو التي كان يدعمها و يساعدها في الظهور كفنانة . ميرغني البكري هو صاحب العمود  الصحفي (من ذاكرة الفن) الذي أثرى به الصحافة الفنية وقدّم عبر  تلك المساحة بذكرياته مع المطرين السودانيين فقد كان سببا في نجومية الكثيرين منهم . 

عمل ميرغني البكري منذ العام 1956  كاتبا في العديد من الصحف السودانية .  عندما ولج  مجال الاعلام كانت الساحة الفنية في ذلك         الزمان يسيطر عليها سرور و كرومة و زنقار . كان يهتم بقراءة الصحف     و المجلات المصرية . في مدرسة الأحفاد الوسطى  شجعه أستاذه شيخ  الدين  جبريل هو وزملاءه على اصدار أول صحيفة حائطية في المدارس و اطلقوا عليها اسم النهضة . تفتحت موهبته و كتب عن مواضيع عدة  كان من أبرزها موضوع التحرّش بالنساء في الترماي فكتب منتقدا ذلك المسلك وأرسله  بالبريد عام 1949 الى صحيفة صوت السودان وكان رئيس تحريرها محمد أحمد السلمابي . تمّ نشر الموضوع بالكامل فكان بمثابة حافز قوي له ليواصل الكتابة . عندما صدرت صحيفة التلغراف عام 1950 شرع في مراسلتها وصار له باب ثابت بعنوان  (صور من الحياة) .  كانت مواضيعه عبارة عن نقد اجتماعي و مواضيع رياضية و خواطر مبعثرة و لم تكن فنية . عندما صدرت صحيفة الأيام في العام 1952 شرع أيضا في مراسلتها بمواد رياضية . ولكونه واحد من أبناء أم درمان كان كثير السهر في مقاهي سوق الموية.. مقهى جورج مشرقي و مقهى الزيات و مقهى أحمد خير والتقى فيها بصفوة الصفوة من أهل أم درمان من مسرحيين و شعراء و اذاعيين و مطربين . جلوسه مع تلك الكوكبة جعل الكثير من المواد الفنية تتوفر له فكان يمد محرري الصفحات الفنية بكل مالديه من معلومات فكلّفه رئيس تحرير صحيفة الصباح الجديد باصدار صفحة خاصة بالفنون بجانب الرياضة كانت بعنوان (اذاعة و اذاعيون) . من خلال تلك الصفحة قام بتشجيع اذاعيين مثل حمدي بدرالدين و محمد خوجلي صالحين و أحمد قباني وغيرهم ولاحقا في تلك الصفحة أشرك رئيس التحرير بعض الكتّاب و منهم السر أحمد قدور و مرسي صالح سراج . الصحفي ميرغني البكري كانت تربطه علاقة واسعة مع الإعلاميين و صداقته مع المطربين لا علاقة لها بالعمل أي ليست علاقة صحفي مع فنان .ومن الفنانين الذين يقول البكري إنه أسهم في ظهورهم من خلال كتاباته محمد وردي وصلاح مصطفى وصلاح بن البادية وكل المطربين الذين ظهروا في مهرجان طلعت فريد عام 1962 محمد الأمين وأبوعركي البخيت والطيب عبد الله بجانب أم بلينة السنوسي وقال : وإذا حمدت الله على شيء فإن 90% ممن يعملون في الصحافة والإذاعة والتلفزيون والفن لا تربطني بهم علاقة العمل الصحفي فقط بل العشرة والصداقة والحب والتقدير .

 ربطته علاقة متينة مع  جميع مديري الاذاعة و التلفزيون  ابتداء من متولي عيد الى معتصم فضل و كانوا يدعونه لمشاركتهم كل صغيرة و كبيرة في الإذاعة و التلفزيون . ومن المذيعيين عمر الجزلي  ابن حي البوستة الذي ساعده في الوصول الى الإذاعة . كذلك لديه علاقة مميزة مع علي شمو منذ أن كان مذيعا الى أن تدرّج في عدد من الناصب الادارية و العلمية . أطلق البروف علي شمو  لقب (شيخ النقّاد )على ميرغني البكري بيد أنه ظلّ يصر على أنه صحفي غني و ليس ناقدا و طوال عمله حتى اعتزاله الكتابة لم يدخل يوما في الأمور الشخصية للآخرين و ظلّ يقول دائما بأن مهمته كصحفي هي تمليك الحقيقة للقارئ.

تزوج الأستاذ  ميرغني البكري في العام 1964 وبحسب الأستاذ معاوية محمد يس الذي ذكر في كتابه « تاريخ الموسيقى و الغناء في السودان « أنه كان حدثا فنيا لا يتكرر  شارك  فيه العديد من الفنانين وذلك بحكم علاقته مع المطربين والعازفين آنذاك.. وقد استمر الفرح لستة أيام وشارك فيه المطرب عثمان حسين الذي تغنى للمرة الأولي بأغنية )شجن (ويقول الراحل ميرغني البكري : لقد وعدت عثمان حسين بأنني لو رزقت ببنت فسوف أطلق عليها اسم (شجن) وكان أول مولود لي بنت وأوفيت بوعدي وأسميتها (شجن) وشاء الله أن يحضر عثمان حسين زواجها في عام 2007 كضيف  شرف. من الفنانين الذين أحيوا زواجه محمد وردي وإبراهيم الكاشف والعاقب محمد الحسن والتاج مصطفى ـ كانوا وزراء العريس ـ بجانب أحمد المصطفى وإبراهيم عوض وعبد الكريم الكابلي وجميع المطربين الشعبيين وقد أقيم الزواج في حي البوستة جنوب بجوار منزل الموسيقار عبد اللطيف خضر ود الحاوي .  

قابلت الأستاذ ميرغني البكري لأول و آخر مرة عندما ذهبت الى منزله      بمدينة المهدية الحارة 11 بصحبة أصدقائي الشاعر شمس الدين الخليفة و   معاوية التيجاني .عندما عرف علاقتي بالمرحوم محمد حجّاز مدثر تحدث  عنه و عن برنامجه التلفزيوني الشهير ساعة صفاء باعجاب. بعدها            اصطحبناه في جلسة سمر بمنزل أحد الأصدقاء كان موهوبا  في الغناء و     العزف على العود . 

توفي شيخ النقّاد الأستاذ ميرغني البكري عام 2018  بعد معاناة من المرض عن عمر ناهز الواحد و تسعين عاما .

قبل وفاته وفي عموده الشهير (من ذاكرة الفن) كتب عنّي السطور التالية :

«جزى الله خيرا الكاتب (زين العابدين الحجّاز) و الذي يتحفنا بين فينة و أخرى بعرض مضمون أحد أفلام السينما الأمريكية الكبرى القديمة و التي شاهدنا معظمها في سينمتي برمبل و الوطنية  بأم درمان أو في سينمات كوليزيوم و الوطنية غرب و النيل الأزرق بالخرطوم التي لما كنا ندخلها كان غالبية روادها من أفراد الجيش البريطاني و سلاح الجو الملكي الإنجليزي . قبل أيام  في صحيفة (اليوم التالي) قدّم لنا (ود حجّاز) عرضا لقصة الفيلم المصري الكبير (ريا و سكينة) مع صور لبعض ممثليه  كفتى الشاشة الأول في ذلك الزمان (أنور وجدي)  الذي كلما جاء ذكر رجل المال و الأعمال (وجدي ميرغني) الا وتذكّرت ذلك الممثل و أفلامه الكثيرة التي كانت تعرض في سينمات العاصمة  و أيضا صورة شرير الشاشة (فريد شوقي) مما جعلنا نستعيد ذكريات الماضي عن الأفلام المصرية و الأمريكية و أبطالها و بطلاتها الذين لا زلنا نتذكرهم و لا ننساهم أبدا خاصة بعد فيض من الأفلام التجارية البحتة التي صارت تنتج  في أمريكا أو في مصر الشقيقة و هي خالية من الحبكة و المضمون».

رحم الله شيخ النقّاد (ميرغني البكري) و أسكنه فسيح جناته.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *