نظرة يسار سارة عبدالمنعم

سارة عبدالمنعم

كاتبة روائية

– هل لديكِ سيَّارة؟

– لا.

– وكيف تمشين على أرصفة بلادٍ محمومة؟

– اعتدتُ عليها، ما عادت شمسُها حارقةً، وربّما انتهى مخزونُ دماءِ أنفي، وأظنُّ رأسي صار قويًّا لا يحتفي بألمِ الصّداع.

– أنتِ مجنونة.

– أمّي أيضًا تقول ذلك.

– أين تعملين؟ أقصد، ما عملُك؟

– لا شيء، وكلُّ شيء.

– حسنًا، كم طفلًا لديكِ؟ وأين زوجُك؟

– أكثرُ من ألف، أُحبّ أطفالَ أمنياتي، زوجي مسافرٌ بين يقظتي وأوهامي.

– أنا لا أفهمكِ!

– لا عليكَ، فأنا مجنونة.

– أَلَكِ أصدقاء؟

– كثيرون جدًّا بحجمِ أحلامي، قليلون جدًّا حين أفيقُ بصفعةٍ من حُزن.

– أنا لا أفهمكِ.

– ولا أنا.

– حسنًا، هل أنتِ سعيدة؟

– جدًّا.

– كيف ذلك، والسعادةُ مجرّد لحظاتٍ عابرة، لا أحد يُقيم في ديارها؟ وما الذي يُسعدكِ، وكلُّ حياتكِ أمنيات؟

– أُصطحبُ تلك اللحظات لبقيّةِ أوقاتي، لذلك أبتسمُ دائمًا. وهل الحزنُ دائمُ المكوث؟! لا شيء يدومُ فينا دون إرادتِنا، لذلك أنا سعيدة.

– هل أنتِ عاشقة؟

– كثيرًا، أَعشقُ الأغنياتِ، وعبقَ الفجرِ، ورائحةَ المساءِ، وعطرَ جسدِ أُمّي، وكلَّ من يحملُ سُحنةَ بلادي.

– لا تُراوغي، أقصد رجلًا! هل لديكِ حبيب؟

– واحدٌ أبحثُ عنه، كثيرون قرعوا بابَ نبضي وأَسعدوني، ولكن…

– ولكن ماذا؟ أجرحوكِ؟

– ربّما جرحتُهم، لا يهمّ. يكفيني لحظاتُ فرحٍ كانت لي معهم.

– كثيرون! ويحكِ، لا فتاةَ تُقرّ بذلك! سيُقال عنكِ بائعةُ هوى!

– كنتُ أبحثُ فيهم عن رجلِ أمنياتي، فما العيبُ في ذلك؟ وهل أُحاسَبُ بتُهمةِ تعدّدِ رجالِ القلب؟! أفتخرُ بتجاربي، وأكنّ لها الاحترام؛ منها تعلّمتُ أن لا شيء يدوم، وأن عليّ احتفاءَ اللحظةِ الممنوحةِ من فرحٍ، فلا أحدَ يعلمُ شيئًا عن النهايات، وربّما رجلُ حلمي كان فيهم.

– أنا لا أفهمكِ.

– ولا أنا، رغم وضوحي.

– غريبٌ أمركِ، يُحيط بكِ الكثيرون وأراكِ دائمًا وحيدة.

– لستُ منزوية، لكنّي أَخشى من القربِ الذي يكشفُ لي حقيقةَ من حولي، وأُريد أن أراهم دائمًا بجمالِ المسافات.

– هل تتألمين؟ احكي لي.

– وهل سيزولُ ألمي إن أخرجتُه منّي؟ إذًا دعنا نتقاسم الفرحَ، فهو مُعدٍ.

– ما أكثرُ ما تُحبّين؟

– البحرَ والحرفَ.

– لماذا؟

– يُنصتانِ بصدقٍ، يُسعدانِني، ويَسعيانِ لتلطيفِ مزاجي، وأجدُهما كلّما احتجتُ لكتفِ صديق.

– الحرفُ يُفشي أسراركِ، فكيف تتّخذينه صديقًا؟

– هو من علّمني الصّدق، وهو أيضًا من يهبني الراحة، ويكفيني أنّه يفهمني جيّدًا وبه أتنفّس.

– أتخشين الموت؟

– لا أَخشى ما يجئ بعده، فَيَقيني أنّ الله سيرحمني، لكنّي أَخافُ من دمعٍ يُثيره رحيلي، ولا أريد أن أكونَ مَبعثَ حُزنٍ لأحد.

– هل أنتِ عاقلة؟

– إن هجرتُ حُبَّ الحياة، سأكونُ في نظرِ الناسِ عاقلةً جدًّا.

– كيف ترينَ الحياة؟

– مدرسةٌ يدخلُها الطّالب، ويجدُ فيها دروسًا كثيرةً، بعضُها يُلائمُ مزاجَه، وبعضُها لا يُبادله الوُدّ.

– ما الذي تُحبّينه فيها؟

– الناس، أتعلمُ منهم الكثير، وأُحبّ فيها المغامرة.

– أترينها حلوة؟

– جميلةٌ جدًّا بالحبّ.

– أَتفتقدينَه؟ أقصد الحبّ.

– أجدُه في كلِّ ما حولي، أحيانًا أَصنعه بعلاقةِ وُدٍّ وتسامحٍ مع الأشياء، أَحيا به. فهل الحبُّ وقفٌ على شخصٍ واحدٍ بعينه؟ لا أظنّ.

– هل لديكِ أُمنيّةٌ صالحةٌ لكلّ زمان؟

– لا، ففي كلِّ يومٍ أَلتَمسُ التّغيير؛ فأحلامُ الأمسِ كالأشخاصِ، يحدثُ أن ننفصلَ عنها، ويمكن استبدالُها بأخرى.

– أَتحبّين المواجهة؟

– أُواجهُ نفسي حين أتألّم، كي أُخبرها أنّي لستُ غاضبةً منها، وأُذكّرها بأنّ التّجربة مفيدةٌ لأيامٍ قادمة، ويكفيني أنّها رغم مرارتها كان لي فيها ابتسامات.

أمّا الأشخاصُ، فلا أُحبّ مواجهتَهم، فحتمًا سينطلقُ سهمُ الحقيقةِ من كلماتي، ويُصيبهم إمّا بالحُزنِ والندمِ والاعتذار، وإمّا بمحاولاتِ إنكارٍ.

وفي كلِّ الأحوال سأَهبهم العذر، فعلامَ أَحملهم ذنبَ الكذبِ أو صدقَ اعترافٍ مؤلم؟

– أكثرُ ما تجدينَ نفسكِ فيه؟

– الرّقصُ والضّحك.

– هل أنتِ راضيةٌ عن نفسكِ؟

– سأعرفُ الإجابةَ عند لحظةِ موتي.

– أتحبّين السّفر؟

– أَشتهيه أحيانًا، لكنّي أَخافُ على غرفتي من وجعِ الافتقاد.

– أنتِ مجنونة.

– أمّي أيضًا تقول ذلك.

– هل تعرفينني؟

– ربّما أنتَ أنا، وربّما شيطانُ حرفٍ تلبّسني لكشفِ الحقيقة.

– سأفضحكِ بالنّشر.

– وما الذي أَخشى عليه كي أُواريَه؟!

– أتحبّينني؟

– كثيرًا، إن لم تقعْ عينايَ على كتاباتِ ماضٍ تحملُ في طيّاتِها كثيرًا من ألمٍ لم يَعُد له مكانٌ في القلب.

– دعيني أَعترفُ لكِ سيّدتي بأنّي لا أَعرفكِ.

– لا يهمّ، يكفيني أنّي استمتعتُ بلحظةِ صدقٍ جمعتْ بيننا.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *