ثورة 21 أكتوبر: قراءة ثورية

20
حمدي عباس إبراهيم

م. حمدي عباس إبراهيم

مستشار اقتصاد زراعي

• الثلاثاء الموافق 21 من شهر أكتوبر الجارى مر على الكثيرين، خاصة أبناء الاجيال الحديثة، دون أن يثير فيهم أى احساس أو وقفة تأمل. هذا التاريخ يمثل لمعظم امثالنا، أجيال الاستقلال محبي الحرية والانعتاق، رمز للعز والفخر. بل هو درس فى الوطنية قدمه شعب السودان المقدام الواعى لكافة الشعوب العربية والافريقية وغيرها . ثورة 2١ أكتوبر المجيدة فى عام 1964م لهي التعبير التاريخى واللبنة الخالدة لتمسك الإنسان السودانى ، السوى المستنير حقاً وفعلاً، بحقوقه الأساسية فى العيش بحرية وكرامة وبحقه الأصيل فى تحديد مسارات حكمه واختيار قياداته ومنهج حكمه بكامل إرادته.
ثورة شعبية سودانية كاملة الدسم. ثورة الإنسان الأبي الذى يأكل لكى يعيش بعز وكرامة، وليس كمن يعيش فقط ليأكل ويشرب مثل سائر المخلوقات الأخرى. ثورة شعبية بهدف إزاحة الحكم العسكري الأول الذى استولى على السلطة بقيادة عبود فى نوفمبر ١٩٥٨م بعد أربعة أعوام فقط من بداية إجراءات استقلال السودان فى عام ١٩٥٤م وإعلان استقلاله مطلع ١٩٥٦م من داخل البرلمان الديمقراطى المنتخب بكل حرية ونزاهة من جموع الشعب السودانى. انقلاب عبود قطع الطريق عمداً حتى لا تكتمل الدورة البرلمانية الأولى وتجرى الانتخابات المقررة والتى من أهم أهدافها و مهامها محاسبة الأحزاب والحكومات والنواب من قواعدهم التى انتخبتهم.
انقلاب عبود أسوأ ما يوصف به أنه استن أسوأ سنة لقيادات الجيش السوداني للتدخل المباشر فى أمر الحكم وتعاطي السياسة وهي أمور ليست من مهامه الدستورية، بل ومن المحرمات لدى أحرار العالم. هذا الانقلاب والانقلابات اللاحقة حدث بمبررات متشابهة ولكن فطيرة ومصنوعه ولا يدعمها إلا من هو أصلاً من دعاة الديكتاتورية والشمولية بما فيها من قمع وسلب لحريات الإنسان الأساسية.
ثورة 2١ أكتوبر اندلعت لإعادة الحريات الأساسية والحقوق الدستورية للمواطن السوداني وايقاف قمع وعنف السلطة العسكرية لكبت أى صوت معارض أو للتغطية على أي إشكاليات سياسية داخلية تهدد السلطة الاتقلابية .
يكفي ثورة أكتوبر السودانية المجيدة فخراً أنها انطلقت من حرم نادي وداخليات طلاب جامعة الخرطوم. تلك الجامعة قلعة النضال الوطني التاريخي. سقط شهداء الثورة من طلاب الجامعة برصاص البوليس السياسي داخل ثكنات الجامعة فكانت شرارة نيران الثورة التي أحرقت نظام عبود العسكرى.
ولا بد أن نذكر في هذا المنحى، وفى ذات الثورة، الشهداء أمام القصر الجمهوري فى الخرطوم دفاعاً عن ثورتهم. وقبل كل هؤلاء خلال نظام عبود لا تنسى ذاكرة النضال الشعبي الشهداء بذات رصاص البوليس السياسي فى خيمة طائفة الأنصار بساحة المولد فى أمدرمان. ومن المؤكد لن ينسى ثوار أكتوبر الموكب المهيب لكبار قضاة السودان من أمام رئاسة القضائية بالخرطوم وتسليمهم مذكرة للفريق عبود للتنحي وايقاف نزيف الدم. لم يكن ذاك عملاً سياسياً بل وطنياً من الدرجة الأولى حماية للمواطن السوداني الثأئر لأجل حق العيش الكريم. وقفة أخرى لابد من الإشارة إليها وهي ذلك التلاحم والتكاتف التاريخي بين الاتحادات والنقابات الفئوية وكل الكيانات السياسية الحزبية تحت مظلة واحدة بمسمى جبهة الهيئات. هذه الجبهة التى تولت أمر تسيير الحكم الثوري الشعبي إبان أول فترة انتقالية.
ثورة أكتوبر ٦٤ التاريخية أرست أرقى مثال لشعب السودان ولشعوب المنطقة العربية والأفريقية التي افتتنت بالانقلابات العسكرية بعد انقلاب عبدالناصر فى مصر سنة 1954.
أكتوبر صارت المثال للشعب السودانى فكانت ثورتى الانتفاضة الشعبية فى1985 ضد نظام نميرى ثم ثورة ديسمبر 2019 ضد نظام انقلاب الترابي. كلها ثورات شعبية، رغم بعض التباين في تفاصيل أهداف أي ثورة وما بعدها. بل إن ثورة أكتوبر السودانية يمكن أن تكون ايضاً مصدر الالهام لما يسمى بالربيع العربي.
المشترك فى كل هذه الثورات ما نادى به شاعر ثورة اكتوبر 64:
الثورة الحرية الحمراء لكل الشعوب.
و
مبدأ الحرية أول…
لم يحور ولم يأول…
والنضال سكة حياتنا..
مهما وقت السكة طول..

ثورة أكتوبر ومن سار على دربها بصدق أمانة، هذه دوافعها واهدافها : عزة الانسان وكرامته، وان حقوق الانسان الأساسية في تحديد أولوياته ومتطلباته ليست منحة من أحد بل حق أصيل.

 

شارك المقال

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *