أدوات مثالية للتحول الزراعي في القطاع المروي 

113
عبدالمنعم علي قسم السيد

د. عبدالمنعم علي قسم السيد

المستشار الوطني لاستراتيجية التحول الزراعي المستدام SATS

• تحدثنا في عمود التحول الزراعي في العدد الماضي لصحيفة فويس عن أفضلية نموذجي الشركات المساهمة القابضة والجمعيات التعاونية لإحداث التحول الزراعي المستدام المطلوب لمعالجة الاختلالات والتشوهات المؤسسية والهيكلية في أنظمة وعلاقات الإنتاج في القطاع الزراعي المروي. وفى هذا المقال سنناقش هذين النموذجين من خلال تفكيكهما إلى عناصرهما الأساسية، ثم تحليل الفرص والتحديات بما  يعكس العلاقة بين البنية المؤسسية والتمويل والإنتاج، ويؤكد أفضليتهما  وملاءمتهما لأغراض التحول الزراعي.

تتمثل الرؤية العامة في تحويل المشروعات المروية القومية (الجزيرة والرهد وحلفا الجديدة والسوكي) إلى شركات مساهمة قابضة مدرجة في سوق الخرطوم للأوراق المالية، مع تخصيص الأراضي الزراعية المتاخمة لحرم القرى لجمعيات تعاونية  ينشئها المزارعون، بهدف تحقيق الأمن الغذائي المحلي والاكتفاء الذاتي، واستمرارية ارتباطهم بالأرض، إلى جانب مشاركتهم كمساهمين مؤسسين في الشركات القابضة، الأمر الذي يوفر مصادر دخل متنامية ومستدامة للمجتمعات الريفية.

ويتمثل النموذج  فيما يلي تحويل المشروعات المروية القومية الأربعة إلى شركات مساهمة قابضة في امتلاك هذه الشركات لأصول المشروعات المروية (الأراضي، البنية التحتية، شبكات الري من الترع الفرعية إلى أبوعشرينات) وتأسيس شركات تشغيل متخصصة تحت مظلتها كشركات تابعة بنسبة مئة بالمئة، أو بنسبة أسهم أغلبية عن طريق الاستحواذ. حيث تعنى شركات التشغيل بالإنتاج والتصنيع الزراعي والغذائي (نباتي وحيواني ودواجن)، والخدمات الزراعية المتمثلة في توفير المعدات والآليات والمدخلات، والخدمات اللوجستية، والتسويق الزراعي.

 وستحصل هذه الشركات من إدراجها في سوق الخرطوم للأوراق المالية (البورصة) على التمويل اللازم لتأسيس الشركات التشغيلية التابعة، عبر الاكتتاب العام للمستثمرين المحليين والدوليين،

ويشكل المزارعون والعاملون شركاء مؤسسين لهذه الشركات، ويفتح الاكتتاب العام من خلال إجراءات الطرح الأولي إلى الجمهور وشركات القطاع الخاص والصناديق المالية (الضمان الاجتماعي والمعاشات والتأمينات الاجتماعية والمصارف التجارية)، لشراء أسهم هذه الشركات بما يمكنها من توفير الرساميل اللازمة لتنفيذ الخطط  الاستراتيجية للتحول الزراعي المستدام.  

ويتطلب ذلك توفير الأطر القانونية اللازمة فيما يختص بإلغاء قوانين المشروعات الزراعية، وتمكينها من التحول إلى شركات، وتعديل قوانين الأراضي بما يتيح لها ملكية الأراضي الزراعية القائمة عليها المشروعات.

ومن فوائد هذا النموذج على سبيل المثال لا الحصر: تحسين كفاءة التشغيل للمشروعات، من خلال تنفيذ خطة التحول الزراعي الاستراتيجية، بما يحقق مصالح  المؤسسين والمساهمين المستثمرين، والمصلحة العامة بدعم الاقتصاد الوطني، وجذب رؤوس الأموال من القطاع الخاص والمؤسسات المالية والجمهور، بما في ذلك المغتربون السودانيون في كافة دول المهجر على مستوى دول الخليج العربي والعالم، وتحقيق الشفافية والمساءلة من خلال الإدراج في سوق الخرطوم للأوراق المالية، وتنويع الإنتاج الزراعي وتكامله مع التصنيع الغذائي، والتمكين الاقتصادي للمجتمعات الريفية، من خلال إشراكهم كمؤسسين ومساهمين في الشركات القابضة. 

ولنجاح تطبيق هذا النموذج، لا بدّ للدولة ولجمهور المزارعين المستفيدين من التحسب للتحديات، المتمثلة في مقاومة التغيير من الجهات المستفيدة من الوضع الحالي، وتوفير الأطر القانونية الداعمة للتحول، وبناء ثقافة الاستثمار في الشركات والأسهم في المجتمعات الريفية، وتوفير الحماية لحقوق المزارعين، من خلال تطبيق أنظمة الحوكمة التي تتيح الشفافية والمساءلة، وتوفير الاستشارات المالية اللازمة لحماية صغار المساهمين من تقلبات سوق الأوراق المالية وتأثيراتها على عوائد الأسهم والمداخيل. 

ولتطبيق هذا النموذج، لا بدّ من الاستعانة بشركات استشارية مالية واقتصادية وقانونية، لإعداد الدراسات اللازمة لتلبية متطلبات سوق الأوراق المالية والمساهمين، والمتمثلة في الخطط الاستراتيجية للتحول، وقوانين الشركات المساهمة القابضة (الأنظمة الأساسية ولوائح التأسيس وأنظمة الإدارة والحوكمة)، ومن ثم تأسيس الشركات القابضة للمشروعات المروية القومية وإدراجها في سوق الأسهم، وإطلاق حملة توعية وطنية حول فوائد النموذج للمزارعين والمجتمعات المحلية والاقتصاد القومي، وفتح باب الاكتتاب العام لتوفير رؤوس الأموال اللازمة لتأسيس شركات التشغيل المتخصصة التابعة للشركات المساهمة القابضة.

 ويمكن تقييم النموذج كل عامين، للتعرف على نقاط الضعف، والفجوات القانونية والإدارية، ومعالجتها في الوقت المناسب.

وفيما يختص بنموذج الجمعيات التعاونية، فسيتم  تأسيسها وفقاً لقانون التعاون على مستوى قرى المزارعين داخل نطاق المشروع القومي، بحيث تخصص لها الأراضي الزراعية المتاخمة لحرم القرى، لأغراض الإنتاج الزراعي المختلط (نباتي وحيواني)، ويشمل ذلك إنتاج المحاصيل الغذائية الأساسية (الذرة، الخضروات، البقوليات)، وإنتاج الألبان ومشتقاتها والتسمين، إضافة إلى التصنيع الغذائي. وتكون إدارتها تشاركية بواسطة المزارعين، وبدعم من الشركات القابضة بتوفير المعدات والآليات الهندسية والإرشاد الزراعي الفني. ويتم بيع فائض الإنتاج الذي يزيد عن استهلاك الأعضاء إلى شركات التسويق التابعة للشركات القابضة، أو في الأسواق المحلية.

ومن فوائد نموذج الجمعيات التعاونية، تحقيق الأمن الغذائي الريفي، وتقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية، وتعزيز العدالة الاجتماعية، عبر تمكين المجتمعات من الملكية التعاونية للأرض والإنتاج التشاركي، وتحفيز المشاركة الاقتصادية  للمزارعين في الناتج المحلي والاقتصاد القومي، وخلق دورة اقتصادية محلية تربط بين الإنتاج والاستهلاك والاستثمار، وتحسين الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي عبر محاربة الفقر الريفي وزيادة الدخل.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *