الوجوه القديمة.. الأجندات الجديدة

15
لؤي إسماعيل مجذوب 2

لؤي إسماعيل مجذوب

ضابط سابق - باحث في شؤون الأمن الوطني والحرب النفسية

• لم يكن ظهور عددٍ من الضباط السابقين في الشريط المصوَّر الذي بثّه قائد التمرد حدثًا عابرًا في ميزان الحرب النفسية الراهنة، بل هو مشهدٌ محسوب في توقيته ومضمونه، استُخدم فيه التاريخ الشخصي لأولئك الضباط كأداة لتمرير رسائل مشبوهة، تستهدف معنويات الصف الوطني وقواتنا المسلحة التي تمضي بثبات نحو تحقيق أهدافها العملياتية.

الوجوه التي ظهرت في ذلك التسجيل ليست جديدة على المشهد العسكري، لكنها تعود هذه المرة بأجندة جديدة؛ أجندة تعكس حالة التخبط داخل المليشيا، ومحاولة استدعاء رمزية عسكرية باهتة لتغطية عجزها الميداني المتزايد. فالقوات المسلحة تخوض اليوم معركة إعادة تموضعٍ واسعة على امتداد المحاور، وتحقق تقدماً حقيقياً في عملياتها التكتيكية، بينما يحاول العدو صرف الأنظار بإنتاج مسرحيات إعلامية تُدار من غرف بعيدة عن أي ميدان قتال حقيقي.

على الصعيد القانوني، لا يمكن الحديث عن إجراءات فورية ضد أولئك الضباط وهم يقبعون في مناطق سيطرة العدو، لكن القانون العسكري واضح في توصيف أفعالهم، وسيبقى ملفهم مفتوحًا إلى حين سقوط آخر شبر تحتمي به المليشيا. فالتاريخ العسكري لا يسقط بالتقادم، والانضباط لا يُقاس بالمكان أو الظرف، بل بالولاء للواجب وللوطن الذي أقسموا على حمايته.

الرسالة الأهم هنا أن القوات المسلحة لا تنفعل بمثل هذه المشاهد، ولا تُدار بالعواطف، لأن الجيش مؤسسة راسخة تُعالج الخيانة بالعقيدة، لا بالانفعال. وقد اعتدنا أن نرى قادة التمرد يظهرون في مواقع مصطنعة، محاطة بعدسات دعائية، لا برائحة البارود. هذه التسجيلات لا تغيّر شيئًا من الواقع الميداني، بل تكشف حجم الأزمة داخل بنية التمرد نفسه، وحاجته المتكررة لخلق رموز بديلة بعد أن فقد شرعيته القتالية والسياسية.

في المقابل، يواصل الجيش أداءه بثقةٍ وهدوءٍ عسكريٍ منضبط، مدركًا أن النصر لا يُنتزع من مشاهد الفيديو، بل من صلابة الجبهة وثبات الرجال في الميدان. إن قوة القوات المسلحة اليوم تكمن في تماسكها الداخلي وتوحّد قيادتها، وفي قدرتها على إدارة الحرب بعقل باردٍ وضمير وطنيٍ صادق، مقابل خصمٍ يركن إلى الإعلام كآخر جبهةٍ له بعد أن ضاق عليه الميدان.

وهكذا، فإن ظهور الوجوه القديمة تحت راية التمرد لا يبدل من معادلة القوة شيئًا، بل يضيف صفحة جديدة إلى سجل الخيانة، فيما يواصل الجيش مراكمة صفحاته المشرقة في سجل الوطنية والانتصار.

إن الحرب الدائرة اليوم لم تعد محصورة في الميدان وحده، بل امتدت إلى الوعي العام وفضاء الإدراك الجمعي، حيث يسعي العدو إلى إضعاف الثقة بين الجيش وشعبه، مستخدمًا أدوات إعلامية ونفسية تفتقر إلى العمق والمصداقية، غير أنه ما يجهله أن هذه الأمة صقلت وعيها في الأزمات، وأن وجدانها العام أصبح يميز بين الصورة المصنوعة والحقيقة الميدانية. 

لقد أدرك الشعب أن ما يبث من مشاهد ومقاطع ليس سوى محاولة لتغطية الهزائم، وتجميل واقع يتآكل من الداخل. ولهذا، فإن رد القوات المسلحة ليس بالكلمات ولا بالصور، بل بالفعل المنضبط في الميدان، وبالصبر الاستراتيجي الذي يسبق الحسم.

إن الثقة المتبادلة بين الجيش وشعبه هي السلاح الأقوى في معركة الوعي، وهي الضمانة الأكيدة لعدم انزلاق البلاد إلى فوضى إعلامية أو نفسية. مهما حاولت المليشيا أن تحرك وجوهًا من الماضي لتجميل حاضرها المأزوم، فإن الزمن لا يعود إلى الوراء، والميدان لا يرحم المترددين.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *