
• الزكام أو البرد الشائع (Common Cold) هو أكثر الأمراض المعدية انتشارًا في العالم. تشير الإحصاءات إلى أن الأطفال قد يُصابون بالزكام 6 – 8 مرات سنويًا، بينما يُصاب البالغون من 2 – 4 مرات. وبالرغم من بساطته مقارنةً بأمراض أخرى أكثر خطورة، إلا أن الزكام يتسبب في ملايين أيام الغياب عن المدارس وأماكن العمل كل عام.
في السودان، حيث تتنوع التحديات الصحية (الملاريا، الكوليرا، حمى الضنك)، يُنظر إلى الزكام أحيانًا على أنه مرض بسيط لا يحتاج إلى عناية طبية. لكنّ الواقع يُظهر أن الزكام قد يكون بابًا لمضاعفات خطيرة خاصةً عند الأطفال وكبار السن، كما أن تأثيره الاقتصادي والاجتماعي لا يُستهان به.
الأسباب والفيروسات المسببة
الزكام مرض فيروسي بامتياز. أكثر من 200 نوع من الفيروسات يمكن أن يسبب الزكام، أهمها:
1. الراينوفيروس Rhinovirus (المسبب الأكثر شيوعًا).
2. فيروس كورونا الموسمي (غير المرتبط بكورونا كوفيد-19).
3. الفيروس المخلوي التنفسي RSV.
4. البارا إنفلونزا Parainfluenza.
5. الأدينوفيروس Adenovirus.
هذه الفيروسات تصيب الجهاز التنفسي العلوي (الأنف، البلعوم، الجيوب الأنفية)، وتؤدي إلى أعراض التهيج والالتهاب.

طرق الانتقال والعوامل المساعدة
ينتقل الزكام بسهولة بالغة عبر:
الرذاذ التنفسي عند السعال أو العطس.
المصافحة أو الملامسة المباشرة لشخص مصاب.
الأسطح الملوثة: مثل مقابض الأبواب، الهواتف، أو الطاولات.
عوامل تزيد خطر العدوى:
الازدحام (المواصلات العامة، المدارس، الأسواق).
ضعف جهاز المناعة.
التدخين.
قلة النوم والتغذية السيئة.
في السودان، تساهم المدارس المكتظة، والمنازل الضيقة متعددة الأفراد، والمواصلات العامة في انتشار العدوى بشكل كبير.

الأعراض ومراحل تطور الزكام
تظهر الأعراض بعد يوم – ثلاثة أيام من التعرض للفيروس، وتشمل:
انسداد أو سيلان الأنف.
العطس المتكرر.
التهاب أو خشونة الحلق.
سعال (جاف أو مصحوب ببلغم).
صداع خفيف.
تعب وإرهاق.
حرارة خفيفة (خصوصًا عند الأطفال).
المراحل:
1. بداية خفيفة: جفاف وتهيج بالحلق.
2. ذروة الأعراض: سيلان الأنف، العطس، التعب.
3. مرحلة التحسن: تقل الأعراض تدريجيًا خلال ٧–١٠ أيام.

الفرق بين الزكام والأنفلونزا وأمراض أخرى
العرض الزكام الأنفلونزا الالتهاب الرئوي
البداية تدريجية مفاجئة مفاجئة أو تدريجية
الحرارة خفيفة مرتفعة غالبًا مرتفعة
الصداع خفيف أو معدوم شديد متوسط
آلام الجسم خفيفة شديدة موجودة
السعال خفيف – متوسط شديد شديد مع بلغم
المدة 7–10 أيام 7–14 يومًا أطول ويحتاج مضاد حيوي

المضاعفات المحتملة
رغم أن الزكام عادةً مرض بسيط، إلا أنه قد يؤدي إلى مضاعفات خاصة في الفئات الهشة:
التهاب الأذن الوسطى عند الأطفال.
التهاب الجيوب الأنفية.
التهاب الشعب الهوائية.
تفاقم حالات مزمنة مثل الربو أو الانسداد الرئوي المزمن.

التشخيص والتفريق السريري
يُشخّص الزكام غالبًا بناءً على الأعراض فقط، ولا يحتاج إلى فحوصات.
لكن الفحص مهم للتفريق بينه وبين:
الأنفلونزا.
التهاب اللوزتين البكتيري.
الالتهاب الرئوي.
العلاج الطبي والخيارات الدوائية
لا يوجد علاج يقضي على الفيروس مباشرة، لذا الهدف هو تخفيف الأعراض:
مسكنات الألم وخافض الحرارة: باراسيتامول، إيبوبروفين.
بخاخات الأنف المالحة: لتقليل الاحتقان.
أدوية السعال: بحذر، خصوصًا للأطفال.
مضادات الهيستامين: لتقليل سيلان الأنف.
• المضادات الحيوية لا تُستخدم إلا عند وجود عدوى بكتيرية ثانوية.

العلاجات المنزلية والأعشاب الشعبية في السودان
يستخدم الناس في السودان عدة وصفات شعبية:
الزنجبيل: يُشرب ساخنًا لتقليل التهاب الحلق.
القرفة مع العسل.
البخار (استنشاق بخار الماء المغلي مع الكركدي أو الليمون).
الكسرة الساخنة مع الملاح الحار، اعتقادًا أنها «تفتح المسام وتطرد المرض».
رغم أن بعض هذه الوصفات قد تساعد، إلا أن الاعتماد الكلي عليها دون استشارة الطبيب عند وجود مضاعفات قد يكون خطرًا.

الوقاية والتطعيمات
غسل اليدين باستمرار.
تجنب لمس الوجه.
التهوية الجيدة للمنازل والفصول الدراسية.
النوم الجيد والتغذية المتوازنة.
استخدام الكمامات في حال العدوى.
لا يوجد تطعيم خاص بالزكام بسبب كثرة الفيروسات المسببة، لكن لقاح الأنفلونزا الموسمي مهم لتقليل الخلط بين الأمراض.

الأثر الاجتماعي والاقتصادي للزكام
في بريطانيا، يُعتبر الزكام سببًا رئيسيًا لزيارة الطبيب العام (GP).
في السودان، يسبب الزكام غياب الأطفال عن المدرسة، مما يضعف تحصيلهم الدراسي.
عند الموظفين والعمال، يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية، خاصة في الأعمال اليدوية أو الأعمال التي تعتمد على الحضور المباشر.
قصص واقعية من السودان
قصة طالب في المرحلة الأساسية: أحمد، 9 سنوات من الخرطوم، أصيب بالزكام المتكرر خلال الشتاء، مما جعله يغيب عن نصف شهر دراسي كامل. أسرته كانت تظن أن الأمر بسيطًا حتى أصيب بالتهاب جيوب أنفية احتاج لمضاد حيوي.
قصة عاملة في السوق الشعبي: فاطمة، 35 سنة، تعمل بائعة شاي. إصابتها المتكررة بالزكام جعلتها تتوقف عن العمل عدة أيام، مما أثّر على دخلها اليومي الذي تعتمد عليه لإعالة أسرتها.

دور التوعية الصحية والجمعيات الطبية
يمكن لجمعيات مثل جمعية أطباء الرعاية الأولية السودانيين في بريطانيا أن تلعب دورًا كبيرًا في:
إعداد كتيبات توعية حول طرق الوقاية من الزكام.
تنظيم ورش عمل في المدارس لتعليم الأطفال السلوكيات الصحية.
نشر التثقيف عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
الخلاصة والتوصيات
الزكام مرض فيروسي شائع لكنه ليس بسيطًا تمامًا.
الوقاية (غسل اليدين، التهوية، التغذية السليمة) أهم من العلاج.
الوعي الصحي في المجتمع السوداني ضروري لتقليل المضاعفات والانتشار.
على الأطباء والجمعيات الطبية أن يساهموا في التثقيف الصحي المباشر وربط الزكام بمفهوم الصحة العامة والإنتاجية.
الخلاصة النهائية
الزكام ليس مرضًا يُستهان به، بل هو تحدٍ صحي واجتماعي واقتصادي عالمي، وفي السودان على وجه الخصوص. يحتاج الأمر إلى وعي مجتمعي، دعم صحي، وتعاون بين الأسر والمدارس والجمعيات الطبية للحد من آثاره.
شارك المقال