• منذ اندلاع الحرب في السودان أبريل ٢٠٢٣ تأثرت البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية و طالت تداعياتها العميقة القطاع الثقافي والأدبي كذلك، فالحرب بالاضافة الي أنها تقتل الإنسان فإنها تقتل الذاكرة القومية والهوية والانتماء و السودان يمتلك تراثًا غنيًا وتنوعًا ثقافيًا فريدًا و التأثير السالب على الثقافة والأدب كارثة موازية للصراع المسلح.
بدأ التأثير المباشر للحرب بتدمير البنية التحتية الثقافية في البلاد إذ طالت أعمال النهب والحرق العديد من المكتبات العامة والخاصة ودور النشر والمسارح و المتاحف والمراكز الثقافية وتوقف النشاط الثقافي تماما في العاصمة الخرطوم وعدد من المدن الكبرى مما عطّل حركة الإنتاج الأدبي والفني، وقطع الصلة بين المبدعين وجمهورهم.
أجبرت الحرب عددًا كبيرًا من الكُتّاب والفنانين والمثقفين على النزوح داخليًا أو الهجرة إلى الخارج، طلبًا للأمان أو لفرص البقاء والاستمرار في الإبداع الامر الذي خلق نوعًا من الشتات الثقافي و أصبح المثقف السوداني موزعًا بين الوطن والمنفى يحاول أن يكتب من قلب المحنة أو من ذاكرة الوطن البعيد ومع أن الغربة قد تُثري التجربة الإبداعية إلا أن انقطاع المبدعين عن محيطهم المحلي أفقد الحركة الثقافية السودانية كثيرًا من زخمها وتفاعلها.
و كما في تجارب الشعوب الأخرى، خلقت الحرب في السودان واقعًا جديدًا بدأ يتجلى في نتاج الأدباء والفنانين، فقد أصبحت المعاناة، والنزوح، والفقد، والخراب، محاور رئيسية للأعمال الأدبية والفنية المعاصرة وبدأ يتشكل ما يمكن تسميته بـ»أدب الحرب» الذي يوثق مشاهد الدمار الإنساني ويعبر عن الألم الجماعي ويطرح أسئلة عميقة حول الهوية، والانتماء، والمصير.
في ظل غياب المنصات الثقافية التقليدية تحوّل كثير من المثقفين إلى الفضاء الرقمي حيث ظهرت مبادرات ومجموعات ثقافية عبر وسائل التواصل الاجتماعي تنشر الشعر والرواية والمقالات النقدية، وتُقيم فعاليات افتراضية ساعدت في كسر العزلة الثقافية وأتاحت للأدباء فرصة التعبير عن رؤاهم رغم ظروف القتال والشتات.
تزامنًا مع الحرب، تراجع الدعم الحكومي والرسمي للثقافة إلى حد التلاشي إذ باتت الأولوية للمجهود الحربي و انسحبت العديد من المنظمات الدولية الراعية للبرامج الثقافية من السودان أو جمّدت أنشطتها ما أدى إلى انكماش خطير في التمويل والفرص المتاحة للإنتاج والنشر والتوزيع.
رغم كل هذا السواد تظل الثقافة السودانية قادرة على المقاومة و قد أظهرت الأزمات السابقة أن الشعب السوداني يمتلك إرثًا من الصمود والتعبير وقدرة على تحويل المأساة إلى قوة إبداعية و لعل هذه الحرب بما حملته من مآسٍ، تكون حافزًا لولادة أدب جديد أكثر قومية وأقوى في التعبير عن الذات الوطنية وأكثر حضورًا في المشهد الإقليمي والعالمي.