سلطة الثقافة – أم ثقافة السلطة ؟

47
عزالدين ميرغني

عزالدين ميرغني

• من أقوال الرئيس الفرنسي الراحل (ميتران) بانه لا ينام الليل عندما يريد أن يختار وزيرا للثقافة. فهي أخطر المناصب. وهي صمام الأمان لهوية الأمة والمحافظة علي جزورها وأصالتها . والأمن الثقافي أصبح فرعا مهما في الدول المتقدمة . وهي من التقارير المهمة التي ترفع للرؤساء في فترات محددة . ومن أهم الأقسام في وزارات الخارجية في الدول الكبرى ذات التاريخ والثقافة المتأصلة هي الأقسام المسؤولة عن نشر وتوصيل الثقافة واللغات والحضارة . فوزير الثقافة هو واجهة الأمة ووجهها المضيء المشرق. لأن الحضور الثقافي العالمي صار مهما ومنافساً للحضور الديبلوماسي . والعالم كله أصبح قرية واحدة . والثقافة أصبحت ثروة , من يحسن استثمارها , فهو الرابح الأكبر . وهي أيضا سلطة من يحسن استخدامها , يكسب الآخرين. ومعروف بان التشكيلات الحكومية في الدول الديمقراطية فإن الأحزاب ذات الأغلبية هي التي تحرص أولا علي وزارة الثقافة , لأنها تكسب أهم شريحة في المجتمع , تكسب ودهم وتجند إمكانياتهم , فهم يملكون سلطة الثقافة التي لا تملكها حتي الدولة. 

والأحزاب العريقة هي التي تكون الثقافة همها وهي التي تفتخر بأنها تضم في عضويتها الصفوة . والوزير الذي يتقلد منصب الثقافة في الدول المتقدمة يظل عالقا به ومفتخرا بلقبه طول حياته , لأن الثقافة أشرف المهن وأرقاها وكما ذكرت سابقا فإن الثقافة صارت ثروة ومفخرة للأمم وسوقا فيه الكسب وفيه السمعة وفيه البضاعة الجيدة والرديئة فهنالك بضاعة السينما , والمسلسلات التلفزيونية , والجوائز العالمية , والمهرجانات السنوية , فمهرجان رقصة السامبا في ريو ديجانيرو بالبرازيل , جعل البرازيل بلدا سياحيا من الدرجة الأولي . ودولة المغرب الشقيقة , فيها أكثر من خمسمائة مهرجان ثقافي سنوي , وأصبح المثقف والكاتب الأوربي , من أهم أولوياته هو زيارة المغرب ومشاهدة واحدا منها . والحائز علي نوبل في الأدب يصبح وساما لأمته وبلده لأنه قد فاز بتوصيل ثقافتها وأدبها للعالم كله . وكذلك جوائز الأوسكار في السينما , وجوائز البوكر في الرواية . وغيرها . والأمم العظيمة هي التي تنافس بثقافتها الآخرين . لأنها منافسة مشروعة وشريفة , تفيد ولا تضر . والأمم العظيمة هي التي تريد للعالم كله أن يتحدث لغتها وأن يشاهد أفلامها , وأن يقرأ أدبها , ويترنم بأغانيها , وكما قال الرئيس الفرنسي السابق ( من يعرف لغتنا يشتري بضاعتنا ) وهي قمة الوطنية لأن الذي يعتز بلغته , يعتز بوطنه. 

ومن هنا تأتي أهمية وزارة الثقافة , وهي ليست الوزير فقط , وانما الكادر والطاقم الذي يديرها , يجب أن لا يكون بعقل الأفندي الروتيني والذي ينتظر مرتبه في نهاية الشهر , ولا يعرف من الثقافة الا اسمها , ولأن الثقافة كلمة فاضحة لمن ليس من قبيلتها , تلك القبيلة في تسامحها لا تعرف الشكل ولا اللون ولا الجهة , وانما بطافتها هي المعرفة والعقل الواعي المتسامح غير المتعصب الا لهما , وعندما يكون من يقوم بأمرها كذلك , حداثويا متسامحا , وجماليا واعيا , فإنه سيكسب الجميع , وسيحفر اسمه في التاريخ , أقول كل ذلك والجميع قد أسعده التبشير بعودة وزارة الثقافة من السيد الرئيس , ونحن وطن الثقافة المتأصلة حيث التعدد الثقافي عندنا نعمة لم نرعاها ولم نستفيد منها بعد , قال لي أحد علماء الملكية الفكرية من جنوب أفريقيا , في إحدى المؤتمرات , إن السودان يحتوي علي كنوز من الثقافة والمعرفة , لو استثمرها جيدا لأصبح غنيا ومشهورا , سياحيا وفكريا ثقافيا . فيمكن أن نكون قدوة لغيرنا في الوحدة والتسامح والتعدد الثقافي , بشرط أن يكون من عليه المهمة واعيا ويقظا ومثقفا , ومتقبلا للآخرين , وعارفا بكنوزنا الثقافية المنسية , عندها سنحس بأن الوطن للجميع وأن الثقافة هي السلطة الأولي في بلادنا , والتي تشمل مظلتها الجميع . 

وصلة 

(أنا أعارض السلطة في بلادي  , ولكن في كتاباتي لا ألعن الوطن , ولا أنشر للآخرين غسيله القذر , لأن السلطة تذهب ويبقي الوطن).

روائي أفريقي

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *