نتيجة القبول للجامعات السودانية ٢٠٢٥: قراءة تحليلية بين الأرقام والواقع

330
حسن عبدالرضي

حسن عبدالرضي الشيخ

كاتب صحفي

• أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي نتيجة القبول للجامعات السودانية للعام ٢٠٢٥، وسط أجواء يطغى عليها القلق والجدل أكثر من البهجة والاطمئنان. فقد تحوّل هذا الحدث السنوي من مجرد إعلان أكاديمي إلى مرآة كاشفة لحقيقة الأوضاع التعليمية، والاقتصادية، وحتى السياسية التي تعيشها البلاد.

أولاً: الأرقام المتاحة والفرص المعلنة

بحسب ما رشح من بيانات، فقد بلغ عدد المتقدمين هذا العام عشرات الآلاف، لكن الملاحظ أن نسبة معتبرة من خريجي الشهادة الثانوية – تُقدَّر بنحو ٣٠% إلى ٤٠% – عزفوا عن التقديم للجامعات الحكومية. الأسباب متعددة، أهمها ضعف الثقة في البيئة الجامعية، ارتفاع تكاليف المعيشة والسكن، وانعدام الأمن في بعض المدن الجامعية. كما أن عدد المتقدمين من حملة الشهادات العربية والأجنبية كان محدودًا للغاية، في حدود أقل من ألف طالب وطالبة، وهو رقم يعكس تراجع جاذبية الجامعات السودانية مقارنة بجامعات الإقليم.

ثانياً: توازن غائب بين الطموح والواقع

النتيجة أوضحت أن كليات الطب والهندسة وعلوم الحاسوب ما زالت الأكثر تنافسية، بينما بقيت بعض الكليات العلمية والتربوية بلا طلاب تقريبًا، مثل كلية التربية (فيزياء/رياضيات) بجامعة أمدرمان الإسلامية، التي لم يتقدم لها أحد. هذا الخلل في توزيع الطلاب على التخصصات، يعكس أزمة عميقة في توجيه السياسات التعليمية وربطها بسوق العمل.

ثالثاً: قراءة في دلالات العزوف

العزوف عن التقديم ليس مجرد قرار فردي، بل هو مؤشر اجتماعي واقتصادي خطير. كثير من الأسر باتت ترى أن الاستثمار في تعليم أبنائها داخل السودان غير مضمون العائد، فتلجأ إما إلى الجامعات الخاصة رغم تكلفتها الباهظة، أو إلى خيار الهجرة والتعليم بالخارج. هذا النزيف يفاقم مشكلة «هجرة العقول»، ويجعل الجامعات الوطنية في موقف أضعف عامًا بعد عام.

رابعاً: مسؤولية الدولة والوزارة

وزارة التعليم العالي تكتفي كل عام بإعلان الأرقام والفرص، لكنها لا تواجه الأسئلة الجوهرية:

ما جدوى توسيع القبول إذا كانت الكليات تعاني نقصًا في الكوادر المؤهلة والمعامل والمكتبات؟

ما معنى فتح مئات المقاعد بينما نسبة كبيرة من الطلاب تفضل الهروب خارج النظام التعليمي المحلي؟

وأين الخطط الجادة لربط القبول الجامعي بحاجة البلاد الحقيقية في مجالات التنمية والإعمار؟

خاتمة

إن نتيجة القبول للجامعات السودانية لعام ٢٠٢٥، لم تكن مجرد أرقام وبيانات، بل شهادة جديدة على أزمة التعليم العالي في السودان. وبين مؤيد يرى في زيادة المقاعد توسعًا في فرص الشباب، ومعارض يقرأ في العزوف انهيار الثقة في النظام التعليمي، تبقى الحقيقة أن الأزمة أعمق من مجرد إعلان نتيجة: إنها أزمة رؤية وإدارة، ولن يُكتب للتعليم العالي النهوض ما لم يكن جزءًا من مشروع وطني شامل يعالج جذور الخلل، لا مجرد مظاهره.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *