• لم احتج إلى ضل هذا اليوم، حيث إن كل ضل تم احتلاله من ارتال المتزاحمين حول لجان الأحياء بالمدينة، بحثاً عن وقاية من أمراض البعوض من ضنك فاق ضيق العيش المستشري في جسد كل الأسر. حينما أعلنت وزارة الصحة محلية مدني الكبرى، عبر مكرفونات المساجد وكل منصاتها الإعلامية المقروءة والمسموعة والمشاهدة، عن بدء توزيع الناموسيات المشبعة، والتي جعلت الأسر تعلي سقف طموحاتها في توفير ما استقطعته العلاجات لتوفير حليب الصغار أو وجبة ظلت حلماً للكبار، الذين أعياهم مرق الدجاج المصنع بغير اقتدار، أو طبيخ مما يشتهون فيه لحم وخضار، تسارعت خطوات النساء، تسابقهن أرتال الصغار صوب مراكز التوزيع، والتي امتلات بهم منذ الصباح في انتظار شهرزاد الصحة أن تصرح بالكم المباح لكل أسرة من واقي إناث البعوض، التي لم تستبقِ من كرويات دمائهم ملم بغير ميكروب، وطال الانتظار… مما جعل مركز التوزيع مرجلاً يغلي من الازدحام وأصوات السؤال.. وكلما علا صوت سيارة اتجهت الأنظار للبوابة، حتى الساعة الحادية عشرة جاء الفرج بشاحنة تتهادى وترقص داخلها ناموسيات الوزارة، وتم إفراغها، وبدأت مسالب العمل تظهر، سوء تنظيم ابتدأته الجهات المسؤولة عن الأمر بتخطيها لكثير من الأسر الذين أتوا محتجين ليزيدوا الهرج مرجاً، والذين بحوزاتهم كروت الاستلام علا صخبهم رغم علو صوت إمعائهم التي أنهكها الجوع انتظاراً، وسادت بعض الفوضى التي هي عنوان هذه العملية، التي أجمل ما فيها تنظيماً الإعلان عنها… وتقاطعت المسؤوليات بين موظفي الوزارة ولجان الحي، التي حيدوها عند التسجيل، وأرادوا أن يحملوها وزر التقصير عند التوزيع.
أخذ الجدال والانتظار من أولئك الممسكين بكروتهم وبطونهم جوعاً مأخذاً، وحسم الأمر ببدء التوزيع بعد الظهيرة، ويا ليته لم يبدأ.. وعجباً تملك الحضور عندما أعلن أن لكل أسرة مكونة من خمسة أفراد قطعة واحدة من الناموسيات المشبعة، لتجعل بقية أفراد الأسرة المكونة من سبعة أو ستة أفراد مرتعاً لإشباع البعوض وحاضناً للميكروب.. أين المكافحة في ذلك؟ وأنت تجعل من الأسرة الواحدة حاملي الميكروب! فكرت وأعدت الفكر كرّتين فانقلب وهو حسير، بيد أنه أهداني حلاً في تقديري يسير! وهو أن تصنع من الأَسرة أرفف حتى يلتئم شمل الأسرة داخل تلك العشة المشبعة، لنشبع نوماً هانئاً تراودنا أحلامه سعيدة.
ما لكم كيف تعملون؟ هل الصخب الإعلامي هو غايتكم؟ أم المواطن وصحته هو عنوان الوزارة، الذي من ضرائبه أنتم تصرفون؟ هذه الهالة والهلولة لن تلهي المواطن المغلوب على أمره أن يفكر في ما آل إليه الوضع الاقتصادي والسياسي، ولكن سعيه لمراكز التوزيع حرصاً على بعض التوفير والراحة من الجري بحثاً عن العقاقير..
أكرموا الإنسان الذي أكرمه خالقه الرحمن، حتى يستقيم لكم بنيان.