الدكتورة الناقدة السورية رشا ناصر العلي: كل هذا الفيض من آلائه (السودان)
Admin 9 أغسطس، 2025 167

د. رشا ناصر العلي - سوريا
• ما كتبته الدكتورة الناقدة السورية رشا ناصر العلي .ابان زيارتها للسودان و التى اختطفت أخيرا وقتلت فى سوريا لتصبح شهيدة. يرحمها الله .
في شهر فبراير من كل عام يُقام مهرجان الطيب صالح احتفاءً بذكراه، ويشارك فيه مجموعة من الباحثين من داخل السودان وخارجه، ومن ثم تحول المهرجان إلى لقاء ثقافي يجمع المثقفين على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم ليلقوا محاضراتهم وليعمّ الحوار وينتعش الواقع الثقافي في السودان الذي بقي مدةً طويلة خارج النشاط الثقافي العربي والعالمي، وقد كان للطيب صالح الفضل الكبير في هذا الحراك الثقافي كله: وقد تنبأ هو بذلك عندما قال متحدياً: «لا ..لست الحجر الذي يلقى في الماء، ولكنني البذرة التي تبذر في الحقول»
وبالفعل كان البذرة التي نمت وأينعت في أرض طيبة بدأ السودانيون يجنون قطافها من مواهب سردية بدأت تظهر وتنتشر إلى حركة ثقافية واسعة ينتظرها الشعب السوداني المتعطش للثقافة والمعرفة، والتي تنشط في شهر فبارير وآمل أن تستمر طوال العام تلبية لحاجة السودانيين للاطلاع على كل ماهو جديد في الثقافة.
لقد كانت مشاركتي في هذا المهرجان فرصةً لألمس حقائق كثيرة، أولها بساطة الشعب السوداني وثقافته وتواضعه وتطلعه إلى كل ما هو جديد، وإقباله على إخوانه العرب، وحرصه على الحفاظ على عروبته، وحبه الذي فاض علينا جميعاً نحن المشاركون في المؤتمر ، ومن ثم انعكست بساطته علينا فجعلتنا أكثر صفاءً ونقاءً، وشعرنا جميعاً براحة نفسية وفيض عاطفي ربما لم نشعر بفيضه في أي مكان آخر، على اختلاف المؤتمرات والمهرجانات التي حضرها كل منا، وقد تخففنا- بسبب هذا الفيض الإنساني الكبير- من همومنا وأتعابنا، وطابت لنا الإقامة وحب التواصل مع هذا الشعب الإنساني الراقي المثقف، واللافت أن عدد الحاضرين لفعاليات هذا المهرجان، وأقول هنا المهرجان لأنه يحتوي فعاليات مختلفة (محاضرات داخل المؤتمر وخارجه في الجامعات السودانية الحكومية والخاصة وهذه إضافة من قبل القائمين على هذه الجائزة لللاستفادة من الزوار المحاضرين القادمين من بلدان مختلفة ولتوسيع نشاط المهرجان إلى القاعات الجامعية، بالإضافة إلى المقابلات الإذاعية والتلفزيونية وبعض النشاطات الترفيهية للمشاركين أساتذة وفائزين)، لقد فاق عدد الحضور ال600 شخص في الجلسة الواحدة، وهذا ما لم أشهده وغيري في أي مهرجان ثقافي آخر، إذ يتجمهر الناس في الافتتاح والختام ويقل عدد الحاضرين للمحاضرات، وهذا يدل على نجاح مهرجان الطيب صالح، مما انعكس على فاعلية المشاركين فيه، فاندفعوا في الحوار والمناقشة مع الحضور المتفاعل مع كل ما يقدم.

وأكثر ما لفت انتباهنا أيضاً هو فخامة الاستقبال للمشاركين (محاضرين وفائزين)، والمكان اللائق للإقامة، والمكافآت التي فاقت كثيراً من المؤتمرات العربية، التي في الغالب لاتوفر للمشارك سوى الإقامة وتذكرة السفر، ومن ثم سألنا عن سر نجاح هذا المهرجان، وعن الداعم له، فعلمنا أنها (شركة زين) للتلفون السيار، فهي التي قدمت كل ما يحتاجه هذا النشاط من دعم مادي وتخطيطي لأمناء الجائزة ليقوموا بدورهم الثقافي على أكمل وجه، ومن ثم كان أمناء الجائزة من أساتذة ومثقفين وإداريين على قدر كبير من المسؤولية وشعرنا بتعبهم وتفانيهم لإنجاح هذا المهرجان، وكأنهم يقومون بواجب وطني عالي المستوى، وهنا أود أن أشيد بما تقوم به بعض المؤسسات الاقتصادية الكبرى من نشاط ثقافي إلى جانب نشاطها الاقتصادي، وهو دورٌ ريادي ووطني لدعم الثقافة والمثقفين، وهذا يدل على وعي شركة زين بأهمية الثقافة، وحاجة السودان وشعبه إلى مثل هذه النشاطات الثقافية، لذلك لم تبخل لا بالمال ولا بالمجهود ولا بالإدارة الموجهة لإنجاح مهرجان الطيب صالح الذي اتسعت مجالاته عاما بعد عام، من احتفاء بكتب الطيب صالح، إلى مناقشة قضايا تهم الرواية والسرد عموما، إلى إضافة جائزة الشعر هذا العام إلى جانب القصة والرواية، وهذا يتطلب توسيع الدعم المادي الذي بلغت قيمته 200 ألف دولار، وقد قامت شركة زين الداعمة بتوزيع شنط المؤتمر التي تحوي كتباً متنوعة لا على المشاركين فقط – كما يحصل عادة في باقي المهرجانات- بل وزعتها على الحاضرين على اتساع عددهم، بل إن هذه الشركة أنصتت بتواضع لكل ملاحظاتنا واقتراحاتنا لدعم الحياة الثقافية في السودان الحبيب.
أخيرا أريد أن أقول: سعدت لانضمام الخرطوم للعواصم الثقافية في العالم العربي، ففي البداية كانت تتوجه الأنظار إلى بغداد، ثم إلى القاهرة، ثم الشارقة، والآن أصبح الناس يترقبون النشاط الثقافي في الخرطوم، التي وجدت في مهرجان الطيب صالح فرصةً لممارسة دورها الثقافي إلى جانب العواصم العربية الأخرى.
لقد ودعت إخوتي وأصدقائي في السودان متجهة إلى بلدي سوريا، وعيني تفيض حباً لهذا البلد (السودان) وتطلعاً لزيارته مرات أخر.
شكراً سودان…شكراً زين…كل هذا الفيض منكم.
شارك المقال