نظرة يسار سارة عبدالمنعم

سارة عبدالمنعم

كاتبة روائية

• وحبيبُها يسألُها شوقاً :

«متى تعودين إلى البلاد؟

تلك التي هجرتِها منذُ خمسةِ أعوامٍ ويزيد، صارت فتاة قلبه القاسية!»

سألتُه عن أيِّ بلادٍ يتحدث، ومن أين له بحقِّ التمنِّي؟!

في بلادٍ قضينا العمر لحالِها نسعى، ونتمنَّى منها الخير، هل تركتْ لي البلاد شيئاً لأعودَ به إليها؟»

بلادٌ لِصَّة ..

أخذتْ عمري وأحلامي ومقتنياتي،

شارعُ بيتي لا أستطيع أن أتخيله بهذا القبح،

فكيف أعود لبلادٍ لا أعرفُ فيها النيل؟

ذاك الذي شُوِّه وجهه بالدماء،

وامتلأت ضفَّتاه بأحلامِ جُثثٍ منثورةٍ، مُبعثرة.

حاول جاهداً أن يقصَّ عليها حبلَ حزنٍ ممدودٍ بالتمنِّي والألم،

همسَ لها مغازلاً أن لها في تلك البلاد حبيباً.

استطاعت دموعُها أن تنصب، وابتلعت عَبَراتها،

رفعتْ كفَّها على وجهِ شاشة اللقاء التلفوني،

إشارةً تُلوِّح لخمسِ أعوامٍ من العذاب، وحدها.

حين كانت ذات البلاد تتفنَّنُ في فجيعتِها وآلامِها،

كأنها تقتصُّ من بُعادها،

وهي التي أجبرتها على ذلك،

وفرَّقت بينها وبين حبيبها.

حتى حُلُمُ الفرح فيها قد مات.

فعن أيِّ بلادٍ يتحدثُ؟

هكذا صرَّحتْ دموعُها السخينة،

وأخرسته.

بصراخِ المحرومِ قال :

«أحنُّ إلى بلادي،

إلى الذكرياتِ هناك، إلى أهلي،

أحنّ للوقت الذي تُباغتني فيه ابتسامتك».

أحنُّ لبلادٍ خراب،

لكنِّي لن أعود إلى التي لا أعرفها.

أخشى أن تمرَّ خمسةٌ أخرى وأنتِ فيها،

ولن أعود لأرى وجوه الموت تحاصرني.

لقد تركتُها مهذبةَ الشوارع،

منظمةَ الأشجار،

وحشائشُها تلهو فيها أصابعُ عُشاق،

وكم دارت فيها معاركُ غيرةٍ،

تؤدي لمسكِ الأرض بقوة،

ربما تفقد فيها الوردة أو الحشائش شعرها،

تُقتلعُ بغضبٍ يتفشَّى بينهم.

تركتُ بلادي،

ومطارُ الهجرةِ مؤدَّب،

تسلِّم إليه في ساعاتٍ قليلة،

ليُخرجك بعيدًا عن بلادٍ تخصّك.

فكيف أعود؟

هي هكذا، لن تتغيّر.

وجعي على من وهبوا لها أرواحَهم،

وهي لا تكتفي.

بلادٌ متقلبٌ مزاجها،

ليست على ما يرام دائماً.

فمن يحتويني؟

إذن لنواصل الفراق.

هكذا همهمت،

حين أيقنت أنها لن تلتقي بحبيبٍ

اختار البلاد التي فرَّقت بينهما عمداً،

وهي لن تعود لبلادٍ

ليست بلادها الأولى.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *