والمدنية هي الاحتكام إلى العدل والقانون مع الاعتبار اﻹنساني، ومنع استغلال سلطة الجيش أو القبيلة أو الدين لصالح فئة من الشعب على حساب السواد اﻷعظم من الناس. فالمدنية هي التوازن في المعاملات، بما يراعي خيار العامة، مع حفظ حقوق اﻷقليات وعقائدهم.
المدنية في معناها ومقاصدها العامة تقف نقيضاً للتطرف والغلو.
وقد ظلت المدنية (civilization) مرتبطة بالتطور والنماء في الحضارات اﻹنسانية، وهي رمز للرقي في سلوك الأفراد والجماعات واﻷمم، المدنية لدى العامة ما يخالف العسكرية.
والتطرف يعني التشدد والغلو، وهو تصرف يعارض التوسط، وينافي التعامل بحكمة وتعقل، والتمسك بطرف الشيء هو القبض على بداياته دون تعمق، وبلا رغبة لمعرفة ما يلي البدايات، أو التمسك بنهاياته دون الرجوع لما قبل النهاية، وفي كلا الحالتين يسيطر الجهل، مما يجعل التصرف المتصل بالتطرف شاذاً ومصادماً لطبيعة الحق والعدل والسلام.
هاجمني البعض عندما كتبت (الدولة المدنية ليست كفراً ياسادة)، وسبب هجومهم ونقدهم هو التباس الفوارق بين المدنية والعلمانية والتطرف لديهم، فهناك من يعتقد أن الدولة المدنية هي دولة علمانية تخاصم اﻷديان والعقائد، بينما الحقيقة هي أن الدولة المدنية تحترم اﻷديان والعقائد، وتوظفها لصالح العدل والعلم والتنمية والسلام، ولكنها لا تدع مجالاً للتطرف لكي يتسلل إليها.
وفي ظنّي أن اﻹسلام في فهمه الصحيح أرقى النماذج للمدنية، فهو لا يلغي العقل والعدل، وإنما يوظفهما لصالح المجتمع، فتسقط كل أنواع السلوك والمعتقدات السالبة، مثل العنصرية والقبلية والجهل والتسلط والعنف.
الرسل واﻷنبياء والحكماء والعلماء متمدنون، يستخدمون العلم والمعرفة والحسنى وفعل الخير وسائل لخدمة الناس..