الناجي صالح

الناجي حسن صالح

رئيس التحرير

• في بورتسودان.. الجو ثقيلٌ كالمعتاد، والهواء مشبّع بغبار الأزمات القديمة والتصريحات الجديدة. وقف الرجل هناك، كعادته، أمام الصحفيين، ليطلق تصريحاً آخر من تلك التصريحات التي تشبه زبد البحر… كثيرة الضجيج، قليلة الجوهر… بلا قيمة.
يتحدث مناوي عن “فتح قنوات التواصل” مع
الجميع، كأنه وسيط سلام وليس جزءاً من حكومة يفترض أنها مسؤولة عن الأزمة. يتنقل بين التحالفات كالخفاش، لا ينتمي إلا إلى الظلام، ولا يلتزم إلا بمصلحته. يقول إنه مستعد للحوار مع “صمود” وحتى مع الدعم السريع، لكنه لا يقول ماذا قدَّم هو نفسه للحوار سوى الكلام.
إنه كتاجر في سوق مزدحم، يرفع صوته فوق الجميع، لكنه لا يملك بضاعة حقيقية. يتحدث عن الوحدة الوطنية وهو جالس في مقعد الوزارة، يلوح بورقة “الشراكة” كلما احتاج إلى تبرير وجوده. تصريحاته كالفقاقيع، تلمع للحظة ثم تنفجر في الهواء، تاركة وراءها رائحة السياسة الفارغة.
مناوي لا يبني تحالفات، إنما ينسج شباكاً. اليوم مع هؤلاء، وغداً ضدهم، وبعد غد يدعوهم للحوار. إنه كلاعبٍ يغيّر قواعد اللعبة كلما خسر جولة. يدَّعي أنه يريد “التواصل” مع الدعم السريع، لكنه لا يتحدث عن دماء المدنيين، ولا عن خراب المدن. كل ما يريده هو أن يبقى في الصورة، أن يُذكر اسمه، أن يُقال إنه “طرف أساسي”.
حكومة الوحدة الوطنية؟ الوحدة الوحيدة التي يعرفها مناوي هي وحدة الكرسي الذي يحتله ويجلس عليه. كل تصريحاته تدور حول فكرة واحدة: “أنا هنا، لا سبيل لكم إلى نسياني. وكل كعكة شوكتي ستُغرَس فيها”…
إنه كالطفل الذي يصرخ في السوق ليُسمع صوته، لكن لا أحد يعيره انتباهاً إلا حين يُحدث ضجيجاً مزعجاً.
أردأ ما في خطابات مناوي أنها تشبه الحلوى المسمومة… حلوة المذاق، قاتلة المفعول. يتحدث عن “المصلحة الوطنية” وهو يضع مصلحته فوق كل شيء. يدعو إلى الحوار وهو يعرف أن الحوار لن يبدأ إلا حين يضمن مكاناً له في الصفقة.
يقول: “كلنا سودانيون”، لكن أفعاله تقول: “أنا أولاً”. يدَّعي أنه يعمل من أجل السلام، لكنه لا يحرك ساكناً إلا إذا كان الحراك يضمن له منصباً أو حماية. إنه سيد التصريحات الرنانة، بائع الوهم الذي يملأ الساحة ضجيجاً ليخفي وراءه فراغاً هائلاً من العمل.
مناوي ليس أكثر من طاووس أكل الزمن ريشه. كان يوماً ما قائداً ميدانياً خلوياً، لكنه تحول إلى سياسي برتبة جنرال يمارس الابتزاز، من ذلك النوع الذي يختفي خلف الكلمات. كلما اشتدت الأزمة، زادت تصريحاته، وكلما زادت التصريحات، قلَّت مصداقيته.
وفي الوقت الذي تئن فيه دارفور تحت حصار الجوع والرصاص، وتذوي الفاشر بين نيران الحرب وصراخ الأبرياء، يظل مناوي مشغولاً ببيع الوهم في سوق السياسة الفارغة. يتحدث عن “الحوار” و”الوحدة” وكأنه يعيش في عالم موازٍ، بينما أرضه تحترق وشعبه يُدفن تحت الأنقاض.
يا لها من مفارقة… حاكمٌ يصرخ في الميكروفونات بينما شعبه يصرخ من الجوع! يساوم على المقاعد والمناصب والمسمّيات الرنانة بينما الفاشر تتحول إلى مقابر!… يدَّعي أنه صوت دارفور، لكن صوته لا يعلو إلا في المنابر لطائلة أخرى.
لسنا في حاجة إلى مزيد من الكلام والاعتصاب. نحتاج إلى رجال فاعلين، ليس بالقول… أما مناوي، فهو مجرد صدى لأزمة لا تنتهي… صوت عالٍ، لا فعل بعده.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *