تطبيق مفهوم ريادة الأعمال في السودان

168
فكري كباشي الأمين

أ. د. فكري كباشي الأمين

خبير اقتصادي

• الريادة ظاهرة قديمة حديثة متجددة، تحمل في طياتها معاني ورموزاً خيرة، حيث تستخدم للدلالة عن المبدعين والمبتكرين في شتى المجالات. وتعود، جذور الريادة إلى نظرية احتكار القلة Oligopoly Theory وقد تأثرت الريادة في بداياتها بالعلوم المرتبطة بها، كعلم الاقتصاد، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم التاريخ، وعلم الإنسان، مما أدى إلى تباين تفسيراتها وتعدد نظرياتها، وعدم الاتفاق على مفهوم محدد لها، بل ترادفت في كثير من الأحيان مع مفاهيم الإبداع والابتكار. 

وقد عرف مفهوم الريادة في الستينات والسبعينات من القرن العشرين،  لكن شهدت الثمانينات والتسعينات انتشاراً واسعاً لهذا المفهوم، الذي مزج بين جني الأرباح التي تثمر عن العمليات التجارية المختلفة من جهة، وفكرة التقدم على مختلف الأصعدة من جهة أخرى، من خلال ابتكار أساليب جديدة وحديثة في العمل.

 وقد تأثرت الريادة أثناء تطورها بالمدارس الفكرية المختلفة، فقد ساهم رواد المدرسة الكلاسيكية بنصيب وافر في تفسير السلوك الريادي، أي أن ريادة الأعمال اكتسبت مفاهيم متغايرة بتباين المدارس الإدارية التي تناولتها حسب توجهات كل مدرسة، فتدرجت بين معاني تحقيق الربح، والتغيير، والإبداع والابتكار، وتشكيل أحد عناصر الإنتاج، إلى أن وصلت إلى مرحلة شمولها كافة عناصر العملية الإنتاجية والتنموية، التي تكفل الديمومة والاستمرار للمنشآت في تقديم أنشطتها، من خلال دعم مستمر ومتواصل من الأجهزة ذات العلاقة، لضمان إسهامها في دعم الاقتصاد، بالإضافة إلى الحد من ظاهرة البطالة، وبالتالي فإن رائد الأعمال يتمثل في الشخص الذي لديه الإرادة والقدرة على تحويل فكرة جديدة أو اختراع أو ابتكار ناجح. 

مفهوم ريادة الأعمال بابتكار أفكار جديدة، لتقديم خدمات ومنتجات متميزة، أو أسلوب إنتاج (فن إنتاجي) جديد أكثر كفاءة، ترتكز على عنصر المخاطرة من خلال تطوير منتج قديم، أو تقديم منتج أو خدمة جديدة. فالمخاطر تتضمن إمكانية عدم قبول المستخدمين المنتج أو الخدمة بالشكل الجديد، أو عدم الإقبال على المنتج أو الخدمة الجديدة، وهذا ما يجعل مفهوم ريادة الأعمال يتعدد ليشمل المبادر ورائد الأعمال الناجح والمالك والمخاطر، والمبدع الإنتاجي. 

وكلمة ريادة الأعمال (Entrepreneurship) في الأصل كلمة فرنسية، تعني الشخص الذي يشرع في إنشاء عمل تجاري وفق أفكار خلاقة مبدعة وطرق مبتكرة، ترتكز على المخاطرة، ورأس المال الجريء.   وكما ذكرت أن الريادي يتمثل في الشخص الذي يتميز بالإرادة، والقدرة على تحويل فكرة جديدة أو اختراع جديد إلى ابتكار ناجح، اعتماداً على قوى الريادة في الأسواق والصناعات المختلفة، للحصول على منتجات ونماذج عمل جديدة، تسهم في التطور الصناعي والنمو الاقتصادي على المدى الطويل.

وعليه يمكن أن يعرف اصطلاح ريادة الأعمال بأنها: المشروعات الصغيرة والمتوسطة، المعتمدة على الأفكار الإبداعية والابتكارية، التي تم احتضانها ومساعدتها على النمو في الاتجاه الصحيح، وفق برامج وخطط متخصصة، تستفيد من التجارب الناجحة، وتطبقها بشكل متوازن، يضمن تحويل الأفكار الخلاقة والإبداعات الفردية والجماعية إلى مشروعات عملاقة.

كما يمكن تعريفه بأنه نشاط ينصب على إنشاء مشروع عمل جديد، يقدم فعالية اقتصادية مضافة، من خلال إدارة الموارد بكفاءة وأهلية متميزة، لتقديم شيء جديد، او ابتكار نشاط اقتصادي وإداري جديد، يتسم الإبداع، ويتصف بالمخاطرة. 

وكذلك على ريادة الأعمال أيضاً: الاعتماد، وهي عملية تنشيط منظمة أو منظمات جديدة، أو تطوير منظمات قائمة، وهي بالتحديد إنشاء عمل أو اعمال جديدة، أو الاستجابة لفرص جديدة وعامة.

وتشير ريادة الأعمال بصفة عامة إلى الحيوية، وإدارة المشروعات بشكل مبتكر، يكفل نجاحها وتطورها بسرعة، من خلال مجموعة من الإجراءات التي تركز على مبادئ متطورة، تستخدم المخاطرة المحسوبة، ورأس المال الجريء في تطوير مجالات عمل قديمية، أو استحداث مجالات عمل مبتكرة، تجد تسويقاً متميزاً، ومن ثم تفرض على السوق استيعاب منتجاتها وخدماتها، بحيث تحقق أرباحاً لمد جذورها، وإثبات وجودها، وقدرتها على الصمود والمنافسة في فترة زمنية وجيزة. 

ريادة الأعمال  أعتقد أنها تمثل الحل لمشكلة السودان، لذلك أقترح التوجه نحوها… وأن يقوم الجمهور بحل مشكلاته بنفسه، أي أن يتجه الشعب نحو ريادة الأعمال.. بدءاً ببيت خبرة لنشر هذه الأفكار بين المثقفين، وسرعان ما ستنتشر الفكرة، وحتى الشركات الحكومية في صناعات الأسمنت والنسيج والسكر والزيوت… إلخ تحول إلى شركات مساهمة عامة، وتطرح أسهمها  للمواطنين داخل السودان وخارجه،  وسرعان ما يتبنى السياسيون هذه الأفكار، وسيشجعون  التوجه نحو الإنتاج، وبالتالي فإن الحل في يد رجال الأعمال.. ليس رجال الأعمال الحاليون، والذين لديهم ارتباطات خارجيه قد تعوق حركتهم… وإنما رجال أعمال جدد، يؤمنون بالرأسمالية الوطنية. 

وفي التاريخ الحديث للسودان، لدينا أمثلة لرجال أعمال أفذاذ، مثل الشيخ مصطفى الأمين وخليل عثمان وإبراهيم طلب والضو ححوج ومحمد أحمد السلمابي وبشير السلمابي .. الذين في زمن مبكر انتبهوا لتطبيق مفهوم المسؤولية المجتمعية Social Responsibility  رحمهم الله من خلال مشاركتهم في تبني القضايا التي تؤرق المجتمع في تأسيس مؤسسات الخدمات المجانية، وظلت مستمرة إلى اليوم، مثل المستشفيات والمدارس ودور العجزة والمسنين، حيث لم يسعوا إلى تأسيس شركات تحتكر الثروة وتستنزفها، أو يعتمدوا على التوكيلات والاستيراد فقط.. أيضاً من الضروري تكوين بيت خبرة، ويمكن الاستعانة بأساتذة الجامعات، وفعلاً هناك بعض الكليات في الجامعات العريقة لديها القدرة والرغبة في دعم هذا التوجه، مما يساعد على توحيد رجال الأعمال المؤمنين بالفكرة، ويدعو إلى  الاتجاه نحو الإنتاج.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *