• تشرفت خلال الأسبوع الماضي بزيارة إلى حي الدناقلة شرق مدني للمشاركة في مناسبة زواج. وقبل بداية الرحلة كنت أتصور كيف ستكون الحال ونحن في مرحلة التعافي من هذه الحرب التي قضت على الأخضر واليابس. وفي هذه المقالة سأسرد مشاهداتي عن الرحلة.
* منذ خروجنا من أمدرمان بدت الصورة تتضح، ففي منطقتي بحري والخرطوم لا تزال الحركة قليلة، نسبة لعدم عودة التيار الكهربائي، وانقطاع المياه، فمعظم الشوارع خالية من حركة المارة، أما المنازل والمحلات فتبدو على غالبيتها آثار الدمار. وهو ما يعوق عودة المواطنين إلى ديارهم.
* الملاحظة الثانية كثرة الارتكازات ونقاط التفتيش، علماً بأن معظمها خاص بشرطة المرور، وينحصر دور النقاط في التأكد من رخصة السائق وترخيص المركبة، ولم تكن هناك إجراءات تفتيش للركاب، أو التأكد من هوياتهم. والمشاهد أنه في بعض الأحيان تكون المسافة بين الارتكازين قليلة جداً، ولا اختلاف بينهما في الإجراءات، مما يعطل الركاب، فتستغرق الرحلة ساعات إضافية.
* أكثر الذين قابلناهم في الطريق احترافية وانضباطاً هم جنود الشرطة العسكرية. وهنا رسالة لبعض من يستغلون الظروف ويتكسّبون أن اتقوا الله في أنفسكم وفي أسركم، وتحروا الحلال الطيب، وتجنبوا الحرام، لسوء عاقبته.
* ما زالت بعض العربات ملقاة على جانبي الطريق منها المحروق، ومنها المنهوبة أجزاء منها، وحتى التكاتك لم تسلم من النهب والحرق. لكن الحياة بدأت تعود في كثير من قرى الجزيرة، وأصحاب المحلات عاودوا نشاطهم، وهو ما يبشر بعودة الجزيرة وتعافيها قريباً، وهي حبل السودان السري، وقلبه النابض، فبتعافيها يتعافى السودان.
* أما وقد وصلنا إلى حي الدناقلة، فكانت حفاوة الاستقبال، وكرم الضيافة، فسعدنا بلقاء أصحاب القلوب البيضاء والوجوه الطيبة، كان الفرح لوحة بديعة شارك الجميع في رسمها. لقد وجدناهم على قلب رجل واحد، ينظرون بيقين راسخ إلى المستقبل، وأنه سيكون أفضل، وقد شمروا عن السواعد، وأعلنت ضربة البداية لعودة الجزيرة إلى المكان الذي تستحقه. فهنيئاً للجزيرة بأبنائها، وهنيئاً للسودان بتعافي قلبه النابض بالحياة.
فها هي الجزيرة، بقلبها الكبير وأبنائها الصامدين، تروي قصة من الأمل وسط ركام الحرب. لقد رأينا الدمار، لكننا أبصرنا إرادة لا تنكسر.. شاهدنا جراح الماضي، لكننا لمسنا نبض مستقبل واعد. ففي كل وجه طيب، وكل يدٍ عاملة، وكل ضحكة تعلو فوق الألم، إعلان صادق أن الحياة أقوى من كل شيء.
هذه الجزيرة، حبل السودان السري، تعلمنا أن النهضة تبدأ بخطوة، والتعافي يولد من رحم الإيمان. فلتكن فرحتنا بزواج الدناقلة نذيراً بزواج جديد بين السودان وأيامه الجميلة. فهنيئاً لأرض تنجب العظماء، وهنيئاً لشعبٍ يكتب بقوة الحب فصل الختام لكل معاناة. المجد للجزيرة.. والمجد للسودان!