
لؤي إسماعيل مجذوب
ضابط سابق وباحث في شؤون الأمن الوطني والحروب النفسية
• في وقتٍ بالغ الحساسية، انتقلت حكومة الدكتور كامل إدريس إلى قلب العاصمة الخرطوم، في خطوة تحمل أبعادًا سياسية وأمنية بالغة الدلالة، تُعيد صياغة العلاقة بين الدولة ومركز القرار السيادي، وتفتح باب المواجهة مع واقع التفلت والانهيار الأمني.
العودة إلى الخرطوم.. دلالة الدولة وسيادة القرار
لم تكن عودة الحكومة إلى الخرطوم مجرد إجراء تنفيذي، بل قرار استراتيجي ذو مغزى سيادي عميق، يهدف إلى:
إعادة بسط هيبة الدولة في مركزها الطبيعي.
إدارة المعركة من الأرض، لا من المنفى.
إرسال رسائل داخلية وخارجية بأن البلاد ماضية في طريق استعادة السيطرة.
لكن هذه العودة وحدها، بلا خطة أمنية صارمة ومتصلة، لا تفي بالغرض ولا تؤمّن العاصمة.
خطة الانتشار الأمني.. تكامل القوة والانضباط
عناصر القوة الضاربة:
قوات مشتركة من الجيش والشرطة والدعم النظامي.
استخبارات ميدانية مدعومة بتقنيات مراقبة (طائرات مسيرة، كاميرات).
غرف عمليات موحدة على مستوى القطاعات والمربعات.
مراحل التنفيذ (زمنيًا):
1. الانتشار والسيطرة (أسبوعان): تركيز على المداخل والمحاور الاستراتيجية.
2. التمشيط والتجريد (شهر): إزالة بؤر التسلح والتفلت.
3. التثبيت الأمني (شهران): عودة المؤسسات وضمان الاستقرار.
لكن الانتشار وحده لا يكفي، بل يجب أن يترافق مع:
وضوح في المهمات والاختصاصات.
مراقبة يومية للأداء والانضباط.
قنوات بلاغات مفتوحة للمواطنين.
تفكيك التشكيلات المسلحة.. معركة فرض القانون.
الهدف الرئيس الآن هو تفريغ العاصمة من أي كيانات مسلحة خارجة عن سيطرة الدولة، عبر:
مهلة زمنية لتسليم السلاح أو مغادرة العاصمة.
تتبع شبكات التمويل والتسليح.
عمليات ميدانية دقيقة بدعم استخباري.
أبرز التحديات:
الاختلاط بالمدنيين.
الحماية القبلية أو السياسية.
ضعف الإمكانات اللوجستية.
المعالجة:
حملات إعلامية توعوية.
دعم المجتمعات المحلية للقرار الأمني.
سرعة في إصدار الأحكام والتعامل مع البلاغات.
السكن العشوائي.. خاصرة العاصمة الرخوة
العشوائي ظل يمثل مهددًا مزمنًا لكل الحكومات المتعاقبة، بسبب:
انعدام السيطرة الأمنية.
إيواء مجرمين ومرتزقة.
غياب الخدمات والتخطيط.
خطة المواجهة:
مسح ميداني شامل.
إعادة توزيع مؤقت للمخالفين في معسكرات تحت الرقابة.
تخطيط عمراني جديد تدريجي تحت إشراف الدولة.
الوجود الأجنبي.. ضبط لا تهاون فيه
في ظل تفاقم التهديدات المرتبطة بالوافدين، بات ضبط الوجود الأجنبي أولوية أمنية، وتشمل الخطة:
إحصاء وتصنيف كل الأجانب بالخرطوم.
إصدار تصاريح مرور وتنقل قابلة للتتبع.
نقل الأجانب غير النظاميين إلى معسكرات خاصة بولايات النيل الأبيض والقضارف، لضمان فصلهم عن البيئة المدنية.
معوقات التنفيذ:
شبكات التهريب والإيواء.
حواضن اجتماعية أو قبلية.
ضعف التنسيق مع البعثات الدبلوماسية.
المظاهر السالبة.. حسم لا تراجع فيه
تشهد العاصمة مظاهر سالبة تهدد الاستقرار، من أبرزها:
حمل السلاح وسط المدنيين.
الجبايات غير المشروعة.
تجارة الوقود والدولار.
الانفلات الأخلاقي والمدني.
آليات المعالجة:
حملات ميدانية صارمة بقيادة القوات النظامية.
القضاء الفوري عبر محاكم ميدانية.
رقابة مجتمعية عبر لجان الأحياء.
تهريب الوقود.. جريمة ضد الأمن القومي
في عملية نوعية، أحبط الأمن الاقتصادي تهريب وقود بمنطقة «التيتي» بالولاية الشمالية، في مؤشر خطير على ارتباط الاقتصاد الأسود بالتفلت الأمني.
يجب تحويل منطقة «التيتي» إلى نقطة مراقبة دائمة.
تشديد الرقابة على الطرق والمعابر الشمالية.
مراقبة الشركات والمحطات المشبوهة.
التوصيات الأمنية:
طريق النجاح يبدأ من هنا
1. مركز قيادة أزمات موحد في قلب الخرطوم.
2. تفعيل قانون الطوارئ الأمني باحتراف وعدالة.
3. إسناد أمني من الإعلام والمجتمع المحلي.
4. تتبع شبكات الدعم اللوجستي للتمرد.
5. قاعدة بيانات مركزية لكل التحركات
والمخاطر.
الخلاصة
الخرطوم اليوم ليست مجرد جغرافيا تحت الخطر، بل هي اختبار حقيقي للدولة السودانية: هل تستطيع أن تسترد عاصمتها، وتؤمّن مواطنيها، وتعيد تعريف الأمن لا بوصفه ردعًا، بل استقرار؟
نجاح الخطط المطروحة مرهون بإرادة سياسية حاسمة، وتنفيذ منضبط، وتنسيق تام بين الأجهزة.
وما عدا ذلك، فسنظل نطارد الفوضى في دائرة لا تنكسر.
شارك المقال