الأبيض فوهة بركان.. مسرح عمليات كردفان بين الحسم والتوجس 

70
لؤي إسماعيل مجذوب 2

لؤي إسماعيل مجذوب

ضابط متقاعد

• في الأبيض لا يُسمع صوت المدفع فقط، بل يُسمع وجيب القلوب القلقة، وهمس الأمهات في صلوات الغروب، ورجاء الآباء في الطرقات. مدينتنا التي طالما كانت منارة سلام واستقرار، تحولت إلى فوهة بركان، تترقب، وتنتظر.

لماذا تأخر الحسم العسكري في كردفان؟

التأخير ليس ضعفًا، بل قرار تعبوي محسوب. فالقيادة العسكرية لا تتعامل مع المعركة كحدث آنٍ فقط، بل كمشروع ممتد يتطلب:

تهيئة المسرح العملياتي وتأمين خطوط الإمداد والتواصل.

ضبط الإيقاع التعبوي مع مسار المعارك في ولايات أخرى.

رصد التحركات المعادية وتحديد مراكز الثقل للمليشيا بدقة، دون استعجال يجر إلى خسائر وسط المدنيين.

كما أن بداية فصل الخريف تلوح في الأفق، وهو عامل تعبوي مؤثر في تحريك القوات في الأرياف والمناطق غير المسفلتة، لذا كانت الترتيبات تجري بمنطق استباقي لتفادي الإعاقة المستقبلية، لا كرد فعل متأخر.

تشابه العمليات في الجزيرة وكردفان: تعبويًا ومنطقيًا

رغم اختلاف البيئة الجغرافية بين الإقليمين، إلا أن المشهد التعبوي يحمل قواسم مشتركة:

العدو واحد، ذات المليشيا تستخدم المدنيين دروعًا بشرية وتتموضع داخل الأحياء.

في الحالتين، هناك استهداف مباشر لخطوط الإمداد، مما يستدعي أسلوبًا تكتيكيًا يجمع بين الحذر والضربات الخاطفة.

المعالجة المطلوبة تعتمد على سياسة «الاحتواء ثم الإجهاز»، حماية للمدنيين ولتوازن العمليات.

أم صميمة.. العقدة الجغرافية الحاكمة

تقع أم صميمة في نقطة استراتيجية تتحكم في المسارات بين شمال وغرب كردفان، وتمثل معبرًا نحو دارفور. من يسيطر عليها:

يعطل تحركات المليشيا بين الأبيض والفولة.

يقطع خطوط الإمداد نحو نيالا وزالنجي والجنينة.

يتحكم في تدفق السلاح والمقاتلين والدعم اللوجستي.

ولذلك فإن تأمينها ليس ترفًا، بل ضرورة لتأمين الأبيض وكامل مسرح كردفان.

المجازر في شق النوم وود حامد.. والنزوح إلى الأبيض

ما قامت به المليشيا من مجازر في قرى شق النوم وود حامد يمثل جريمة حرب مكتملة الأركان، ودفع بآلاف الأسر للنزوح إلى الأبيض.

تعبويًا، هذا النزوح:خلق ضغطًا هائلًا على الخدمات الصحية والتعليمية والمعيشية.

أحدث ربكة أمنية تستغلها الخلايا النائمة للتسلل والاستطلاع والتنفيذ.

وفر بيئة للاختباء خلف النساء والأطفال ونقل المعلومات الحساسة.

أمثلة على مواقع استراتيجية مهددة:

محطة كهرباء الأبيض. مستشفى الأبيض العسكري والعام. جامعة كردفان. مخازن الإمدادات الطبية. البنوك، شبكات الاتصال، وأبراج المراقبة.

المندسون يستغلون الفوضى، وقد يمارسون التجسس أو التنسيق لضربات مسيرة أو تصحيح مدفعي.

الدور الاستباقي المطلوب لتأمين المدينة

فرز النزوح ومراقبة حركة الوافدين بالتعاون المجتمعي.

تعزيز العيون المجتمعية وتفعيل دور المواطن في الاستخبارات الوقائية.

تحصين المواقع الحيوية بنظام دفاعي دائري.

منع تمركز المليشيا داخل الأحياء السكنية.

الحماية لا تبدأ من بعد الحدث، بل من الاستباق والفهم الميداني العميق.

كيف نهزم المليشيا في شمال كردفان؟

بعزلها عن عمقها الاستراتيجي في غرب كردفان ودارفور.

ضرب خطوط تحركها بين النهود، الخوي، وأبو زبد.

استخدام الصدمة النارية بدقة وبغطاء استطلاعي جوي.

إشراك المجتمعات المحلية في فضح خلاياها وتجفيف منابع الدعم.

الترتيبات الجارية لحسم المعركة في كردفان

الحسم آتٍ، ومقدماته واضحة:

تعزيز القوات النظامية بوحدات قتالية محترفة.

إنشاء قواعد نار متقدمة ومواقع دفاع نشط.

تنسيق دقيق بين المشاة، المدفعية، والطيران.

رفع الجاهزية في الأبيض لتكون مركز القيادة والسيطرة لعمليات كردفان الكبرى.

الأبيض ليست وحدها.. الهجانة ساس الجيش

في الأبيض تتمركز الفرقة الخامسة مشاة – الهجانة، وهي ليست مجرد وحدة عسكرية، بل تمثل الذاكرة الحية للجيش السوداني.

وكما قال دفعتي الشهيد علي حسين عبد القادر  «أب شنب» ضابط الهجانه الكلس: «الجيش لو أمه القيادة العامة، أبوه الهجانة». 

الهجانة هي ساس الجيش، ومنها انطلقت تقاليد الفروسية والانضباط والشجاعة. خرج منها القادة الذين سطروا ملاحم السودان في الجنوب والشرق والغرب. وجودهم في الأبيض ليس عبثًا، بل هو شهادة أن الأبيض محروسة بشرف العسكر، وحكمة القادة، وشجاعة الرجال. 

رسالة ختامية

إلى أهلي في الأبيض، إلى كبارها وصغارها، نسائها ورجالها، أقول:

الأبيض في قلبنا، ونحن في قلبها. لسنا بعيدين عنكم، بل نحن معكم وبينكم. لن نترك مدينتنا للعبث، ولن نسمح بجرّها للفوضى. المعركة تُدار بعقل وقلب وبندقية، وسننتصر.. لأن الأبيض لا تعرف الهزيمة.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *