
د. حاتم محمود عبدالرزاق
لواء شرطة متقاعد - محام ومستشار قانوني
• ورقة أساس لحملة قومية لمكافحة الدعارة الإلكترونية والابتزاز الرقمي
مقدمة: خطر يهدد الجميع
في العصر الرقمي، لم تعد الجرائم حكرًا على الأزقة والشوارع، بل انتقلت إلى الشاشات والهواتف، حيث تنشط شبكات منظمة تمارس الدعارة الإلكترونية، وتستغل الفضاء السيبراني في الإيقاع بالضحايا، عبر الخداع والإغراء، ثم التهديد والابتزاز.
هذه الورقة ليست فقط للتوعية، بل لتكون أساسًا لحملة قومية، تنطلق من السودان، نحو الإقليم، فالعالم، دفاعًا عن إنسانيتنا وقيم مجتمعاتنا.
آلية الاستدراج: وعود كاذبة تُغلف الجريمة
تبدأ العملية بإعلانات وهمية: عروض للعمل كموديل، فرص شهرة على السوشال ميديا، هدايا مالية، فرص سفر…
تُطلب قياسات الجسد، تليها صور «عادية»، ثم صور خاصة.
يُغرى الضحية بالمال والجوائز، حتى يُصبح مُكبلًا بمواد تُستخدم لاحقًا ضده.
الجريمة تتطور: من استغلال الصور إلى تهديدات بالفضيحة
تُستخدم الصور بطرق خبيثة:
يُهدد الضحايا بنشرها،
تُعدّل عبر تقنيات «التزييف العميق» (Deepfake) لإنتاج فيديوهات إباحية تبدو حقيقية،
يُطلب المال، أو تنفيذ أوامر جنسية أو مهام غير قانونية.
ضحايا في كل مكان: صمتهم يزيد من تفشي الخطر
فتيات انتحرن خوفًا من الفضيحة.
شباب انزلقوا في هاوية الإدمان.
أسر تشرّدت، وسمعة أُسر أُهدرت.
ضحايا انجرفوا لاحقًا إلى الدعارة الفعلية.
جهود الشرطة السودانية: حماية وطنية في وجه خطر رقمي
رغم التحديات التي تمر بها البلاد، تبذل الشرطة السودانية – عبر إدارات الجرائم المعلوماتية والنيابة العامة – جهودًا كبيرة في:
1. ضبط الشبكات
ملاحقة الحسابات والجهات التي تستدرج الضحايا.
تعقّب المحادثات الإلكترونية عبر فرق متخصصة.
التنسيق مع الشرطة الدولية (الإنتربول) لتوقيف الشبكات العابرة للحدود.
2. استقبال البلاغات بسرية
يتم استقبال الشكاوى والبلاغات عبر منصات إلكترونية وخطوط هاتفية آمنة.
تضمن الشرطة حماية الضحية وعدم كشف هويته/ها، مع دعم نفسي واجتماعي.
الإطار القانوني السوداني: سلاح الدولة ضد الجريمة الإلكترونية
يُجرّم القانون السوداني هذه الأفعال ضمن عدة نصوص:
الابتزاز والتهديد الإلكتروني
وفق المادة (160) من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991 (السباب والإساءة).
والمادة (17) من قانون مكافحة جرائم المعلوماتية لسنة 2007، التي تجرّم استخدام الوسائط الرقمية للتهديد أو الابتزاز.
العقوبة: السجن لمدة تصل إلى 5 سنوات وغرامة.
نشر المواد الإباحية والتشهير
المادة (14) من قانون مكافحة جرائم المعلوماتية.
المادة (153) من القانون الجنائي: «إنتاج أو توزيع مواد مخلة بالآداب العامة».
العقوبة: السجن حتى 7 سنوات، مع مصادرة الأجهزة.
الدعارة الإلكترونية والتحريض عليها
المادة (154): «ممارسة الدعارة أو التحريض عليها عبر وسائط رقمية».
العقوبة: السجن حتى 3 سنوات مع الجلد أو الغرامة.
دعوة لحملة قومية – إقليمية – عالمية
هذه الورقة تمثل دعوة لـ:
إطلاق حملة قومية
تضم مؤسسات الدولة، الإعلام، المدارس، الجامعات، الجمعيات النسوية والشبابية، والأئمة والدعاة.
التنسيق الإقليمي
التعاون مع الجهات المعنية في دول الجوار لتبادل البيانات والمعلومات عن الشبكات العابرة للحدود.
الانضمام لمبادرات دولية
مثل مبادرة END Exploitation Online، وغيرها من مشاريع الأمم المتحدة لحماية الأطفال والنساء من الاستغلال الرقمي.
التوصيات العملية للحماية والوقاية
1. وعي قبل الوقوع
نشر الوعي بخطورة العروض الوهمية.
عدم إرسال أي صور أو معلومات حساسة لأي جهة غير موثوقة.
2. لا تنخدع بالواجهة اللامعة
احذر من الوعود الخادعة بالشهرة أو المال.
لا تثق بجهة تطلب محتوى خاصًا خارج السياق الرسمي.
3. افحص قبل أن تثق
تحقق من خلفية أي جهة تدّعي أنها شركة أو وكالة.
لا تتفاعل مع حسابات مجهولة.
4. أبلِغ فورًا – لا تسكت
الإبلاغ الفوري يوقف الجريمة ويمنع ضحايا آخرين.
الشرطة السودانية توفر حماية للضحية دون وصمة.
5. الدعم يصنع الفارق
احتواء الضحايا نفسيًا واجتماعيًا.
إعادة دمجهم في المجتمع لا وصمهم أو محاكمتهم.
خاتمة
إن الدعارة الإلكترونية ليست جريمة عادية، بل هي هجوم مركب على القيم، الكرامة، والأسرة والمجتمع.
ولمواجهتها، نحتاج إلى أكثر من مجرد قوانين، نحتاج إلى وعي، وإرادة، وتضامن.
فلنبدأ من هنا… ولتكن هذه الورقة نواة لحملة تقودها المجتمعات الواعية لحماية الجميع من هذا الخطر الرقمي القاتل.
شارك المقال