من مندولة سهل: غابة الشيطان

• أمي اتزوجت في عمر صغير وكان شرطها الوحيد إنها تسوق جودة خالي يعيش معاها. 

أصلا حبوبتي أم أمي اتوفت وخلت جودة في عمر اقل من سنتين تقريبا وبعد وفاة حبوبة جا أبوي عقد على أمي.

رغم إنو جدي الله يرحمو ترك ورثة مابطالة لكن أمي اصرت إنها ترث جودة أخوها الصغير اليتيم الوحيد المعاق جسديا.

نحنا في بلدنا كنا مابنخجل من الاعاقات وبنسميها باسمها دوغري وبما إنو جودة خالي كان بعاني من عرج بسيط ف اتخايل لي جدي حسب الله لما عاين ليهو مسااافة كدة قال (ولدي جودة ابعريجة) يعني لاهو اعرج عديل ولا كمان الزول السليم الماشي عديل وبكدة اصبح جودة باللقب الجديد مفروز وسط تلاتة جودات كانو مشاركنو في الاسم ف اسم جودة كان متسلسل عندنا من جد بعيد.

 لما جيت الدنيا لقيت نفسي في مكان خصوصي مابين جودة وأمي البتعتبرو  اخوها الصغير وأنا البعتبرو أخوي الأكبر مني باعتباري مارست معاهو نشاطات كتيرة خلتني أكون بقرب مناسب مثل الأخوان الاشقاء لاننا كنا متقاربين في العمر  .. صراحة كنت سعيد إني ومعاي أمي متشاركين في أخو واحد .. الحتة دي كانت مدهشة للناس الحوالينا ولكن الدهشة بتروح لما يدققو في تفاصيل حياتنا.

كل إخواني الاصغر مني بتعاملو معاهو كخال بس انا بتغلبني الحاجة دي لأنو إحساس إنو أخوي الأكبر بقى متغلغل فيني أكتر .. 

أنا وجودة عشنا أيام صبا جميلة رغم اني دفسوني قدام السلالم الدراسية وبقيت بتواثب مع القطيع المدرسي من مرحلة لمرحلة وجودة وأمي كنت حاسي بيهم أحسن حالاً مني لأني بقيت مقيد بالفصول الدراسية وأمي قاعدة في بيتها وسط وليداتها وجودة بمارس حريتو خارج فصول المدارس  منطلق في حياة السوق ودفسيبة أكل العيش واسرتنا زادت اضعاف وبقينا اسرة كبيرة وفقدنا المؤانسة الدايمة مع أمي وطعم البيت الهادي البسيط وجودة الزول الهادي الوديع الصامت دقش الخلا اشتغل مع الفحامة (بتاعين كماين الحطب) وفي النهاية عمل ليهو كمينة فحم في غابة الشيطان .. غابة الشيطان دي غابة بعيدة جدا وناس البلد كانو بخافو منها لكن جودة فات هناك وعمل ليهو (كركور) سكن فيهو لأنو كان بعتقد إنو مافي شيطان أكبر من جوطة البشر والعمايل البعملوها فوق بعض .. جودة ماكان بشعر بالراحة لو لقى نفسو قاعد بين اتنين متخاصمين أو في حتة فيها شتايم وعتاب متبادل .. كان بحس باذى نفسي عميق لما يسمع زول بتكلم كلام شين في زول تاني 

كان عادي يجي شاقي غابة الشيطان في ساعات الليل المتأخرة في كل فصول السنة .. كل ما يشتاق لي أمي بشيل صحنو الملان عصيدة أو مديدة دخن أو بالرايب يتعشى معاها ويشق غابة الشيطان وهو راجع للكركور حقو .. ناس البلد كانو بخافو منو لما يجي شاقي الغابة ماشي أو راجع وبنسجو حولو قصص خيالية مرعبة ووصل بيهم الخيال اعتبروهو شيطان متنكر في شكل إنسان. 

تمر الايام وبديت انا انزلق من اعلى سلالم الفصول الدراسية وبقيت لازم امرق من البلد واواصل قراية الجامعة في العاصمة وشيلوني شنطتي ومرقوني باللوري وبقيت اجي بعض الايجازات وبعد فترة بقينا نتملص واحد واحد من جو البلد ونمشي نقرا الجامعة في العاصمة وجودة ثابت ثبات الابطال وديمة شايل عشاهو وشاقي غابة الشيطان عشان ياكل لقمة مع أمي ويرجع كركورو وناس الحلة لسة بنسجو حولو القصص واختي الصغيرة اخر العنقود اتخرجت من الجامعة واتزوجت ساقت أمي الدوحة تقيم معاها هناك وانا دقشت بلاد كتيرة وبيتنا بتاع البلد اصبح خرابة من غير وريث وجودة اخوي الكبير وخالي في نفس الوكت فضل الوحيد القاعد في البلد بعد وفاة الوالد 

وجو الدعامة اقتحمو الديار وجودة مرق من غابة الشيطان وحرس الجامع لما شافهم طردو منو ناسو.. ضربوه واوسعوه ضرب بس لقو رأسو  قوي وبعدها بدو يطردو الاهالي من الحلة والناس بدت تطلع وجودة قدر ماعاين للنزوح رفض ينزح وتاني الدعامة دقوهو دق أخو الموت لحدي ما واحد من ناس الفحم عندو كارو رفعو وهو مابين ميت وحي وساقو لحدي اقرب قرية ومنها رفعو في دفار ووصلو بيهو حلة اسمها مطمورة يعقوب وهناك اتلقاهو واحد من اهلنا وحاول يسعفو بس روحو فاضت واتملص منهم.

معظم الناس الشافوهو لما كان حارس الجامع واصرارو على رفع الاذان شهدو ليهو 

اثناء ما الناس دايرة تجهز الجنازة في الحلة البعيدة من ناسو والمقابر الغريبة من اهلو سمعو الجوطة والضجة الحصلت فجأة وقالو شيخ الامين السماني صاحب المسيد الببعد من القرية مسافة نص نهار رسل واحد من الحوار بتاعنو بمرسال سريع قاليهم (جاكم زول اسمو جودة امسكو قوي وماتفرطو فيهو لحدي ما اصلكم).

الشيخ وصل ومعاهو حيران يسدو عين الشمس وقالو ليهو زولك القاصدة سبقك ومات قالو الشيخ اتأسف وقال للحيران (لو كان فينا خير كان حصلنا الزول دا).

جنازة جودة قالو لينا صلو عليها ناس ماحصل زول يتخيل إنو في الحلة دي يتلمو ناس قدرهم .. كل القرى الحول قرية مطمورة يعقوب لما عرفو إنو الشيخ الامين السماني نزل فيها جو جاريين جري عشان يعرفو الحاصل شنو. 

قالو الشيخ بعد صلاة الجنازة قاليهم الفراش على المرحوم دا الليلة وبكرة.

غادة أختي في الدوحة قالت لي كنت متابعة بالتلفون مع مضوي عمي كل تفاصيل خالي جودة من ما الدعامة دخلو بلدنا لحدي ما مات واندفن وأمي قاعدة تسمع وتبكي تتصبر وتقول (خالك جودة كانو بقولو عليهو شيطان وساكن وسط الشواطين في غابة الشيطان وهو ببعد من الناس عشان ماقدر يتحمل شيطنتهم مع بعض).

قالو الشيخ وقف في حافة القبر وراقب الجماعة بعد ماجهزو ود اللحد وبعداك نزل القبر بي نفسو وقعد يواسي في التراب باصابعو زي الناس لما لما يشدو طرف الملايا يوم العيد .. الشيخ مسح تراب القبر وواساهو وبعدها رفع رأسو للناس وعيونو ملانات دموع وقاليهم بنزلو معاي اتنين وهو وقف في نص القبر عشان ينزل جثمان جودة لمرقدو الاخير.

سبحان الله  .. الزول البقولو عليهو شيطان ربنا اكرمو وجاب ليهو خلق كتار عشان يودعوه وهو مارق من باب الدنيا لرحاب الآخرة .. جودة فات سريع وفارق الدنيا قبل مانلاقيهو ونودعو  .. كنا بنقوليهو ابعريجة لكن الموضوع لما بقى موضوع شهادة ساب عرجتو البنعرفها ومشى لي ربو سريع سريع.

شارك المقال